‏إظهار الرسائل ذات التسميات فكر إسلامي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فكر إسلامي. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 3 يوليو 2016

تربية البنات وخدمة الزوجة لزوجها

 حوار/ نورا عبد الحليم مع مفتي الديار المصرية علي جمعه، المنشور بتاريخ 8/11/2003 مع التعقيب:

1-   أدلى فضيلة المفتي، خلال المقابلة، برأي مفاده: أن بعض المشتغلين بالفكر الإسلامي تصدر منهم آراء تكون شخصية، وناتجة عن تجربة حياتية، وليست ناتجة عن استنباط حكم الله من المصادر الشرعية المعتمدة وهي القرآن والسنة في الأساس، ثم ما أجمعت عليه الأمة.
  وعندما سئل: ما مساحة الحرية التي أعطيتموها لبناتكم؟ جاء رده بالنص كما يلي:
 "الإنسان لا يشعر بإنسانيته إلا إذا كان حرا ومختارا بل ولا يثاب عند الله إلا إذا أتى الأفعال مختارا. ولقد تركت بناتي في حرية تامة فيما يخص الحياة الدنيا بدءا من اختيار الملابس.. واختيار التعليم.. واختيار الأزواج.. والبرنامج اليومي للحياة.. متى تذاكر ومتى لا تذاكر؟.. واختيار الأصدقاء في نطاق الأوامر والنواهي العامة.. ولا اذكر إنني فرضت على إحدى بناتي هواية معينة.. أو توجها معينا.. بعضهن قدن السيارات وبعضهن تخوفن منها.. كانوا في حرية تامة يشهدن بها، وما كان لي إلا النصح والتربية وتعليم مفاهيم الإسلام، فالإسلام دين سمح بالحرية لأقصى درجة حينما قال «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» ( الكهف 29)، ولكنه بين عقوبة الكفر وقال «انا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا» ولكنه قال أيضا «وهديناه النجدين» البلد 10 يعني سمحنا له بان يعرف طريق الخير من طريق الشر، فالإسلام احترم حرية الإنسان.. والبدء هنا في الحياة الدنيا من الإنسان. وأنا في خطابي سواء مع المسلمين أو مع بناتي في البيت.. أو حتى في خطابي مع غير المسلمين في الخارج ابدأ من الإنسان، ما الذي ينفع الإنسانية؟

ويستطرد فضيلة المفتي قائلا: وهذه المساحة الضخمة من الحرية التي أعطيتها لبناتي عابها علي كثير من الناس خاصة من الجيل السابق من الآباء والأعمام، لكن الحمد لله ظهر أن هذه الخطة السديدة خاصة في العصر الذي نعيش فيه هي الأقرب إلى الصواب في معاملة الأبناء.
 (انتهى). (الخطوط تحت الكلمات من عند الكاتب).

وأقول:
يلاحظ إن رد فضيلة المفتي تضمن رأيه الشخصي، والناتجة عن تجربة حياتية، وليست ناتجة عن استنباط حكم الله من المصادر الشرعية. فشاب إجابته نفس العيوب التي ألصقها بالمشتغلين بالفكر الإسلامي!

فإذا كانت الدعوة إلى الدين، لولي الأمر،  بالنصح للأمة لحديث الرسول (ص): من رأي منكم منكراً فليغيره بيده،  فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الإيمان (مسلم:70)، فإن الدعوة في الأسرة تكون بالأمر، قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة" (التحريم: 6)، و "أمر اهلك بالصلاة واصطبر عليها" (طه: 132).

والأحاديث النبوية الشريفة الدالة على مسؤولية الوالدين، وتحملهما ثواب حسن التربية أو وزر سوء تربية أولادهما، كثيرة أيضا: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، و"من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شئ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء (مسلم: كتاب العلم)، ، و " فالرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها.."، و"كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت"، و "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".

2-   ورداً على سؤال آخر عن: المسائل التي تثير الحيرة حيث يحدث تداخل بين العادات المتوارثة والدين.  جاء رد فضيلته بالنص كما يلي:
" بداية أقول أن تجديد الخطاب الديني المقصود به دائما عزل ما قد يعلق بالفقه الإسلامي من عادات، وأيضا عزل بعض الأحكام المبنية على تغير الزمان والأعراف، لان الله سبحانه وتعالى امرنا أن نأخذ بعرف كل عصر، فقال:خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (الأعراف: 199) فكثير من الناس لا يفهمون معنى تجديد الخطاب الديني فهو يبين كيفية تطبيق الدين في العصر الذي نعيشه، وقد تختلف هذه التطبيقات حتى لم يعد الإنسان يفرق بين ما هو شرعي وما هو عادة موروثة. وهناك أيضا قضية المستحدثات فيما لم يرد فيه نص.. وتغير اساليب التطبيق عندما تتغير البيئة المحيطة، فبيئتنا تختلف مثلا عن بيئة الإمام الدردير، أو الإمام الباجوري في الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة، ولذلك فكلامهم إنما هو في نطاق عصرهم.. فهم لم يخطئوا، بل الخطأ يأتي منا إذا جئنا بالمسائل المتصلة بذلك العصر وطبقناها في عصر آخر من غير التفات إلى الفرق بين العصرين. وأود أن أقول هنا أيضا أن الأمور أصبحت تتغير بصورة مذهلة.. فهناك فرق بين وقت ظهر فيه الدش وبين ما قبل دخوله لحياتنا، وهناك فرق أيضا فيما هو قبل الانترنت وما بعد الانترنت.. فالأمور غاية في التطور، وقد تكون غاية في التدهور والتفكك ولكنه الواقع المعيش الذي ينبغي أن نراعيه في أثناء التطبيق.. هذا هو ردي على قضية الخلط ما بين الفقه والعادات والتقاليد. " (انتهى).

وعندما سئل عن وجوب خدمة الزوجة لزوجها، جاء إجابة فضيلته كالآتي: "نقول أنه في الفقه الإسلامي لا يجب على المرأة أن تخدم زوجها، فالمرأة لا تتزوج لكي تصبح خادمة بمؤهل عال، فالزواج ليس فقط لبناء الأسرة، إنما هو لدرء الفتنة الخ". (انتهى).

وأرى :

أن فضيلة المفتي لم يستند في رفضه وجوب خدمة الزوجة لزوجها إلى القرآن والسنة أو الإجماع،  وإنما إلى العادات العربية القديمة حيث توفر في الجزيرة العربية العبيد والإماء.  كما أنه لم يراع  الواقع المعيش الذي ينبغي أن نراعيه في أثناء التطبيق،  بالإضافة إلى أن الأعمال المنزلية المنوطة بالزوجة من البديهيات،  وتفصيل ذلك:

1-  أن المجتمع الإسلامي الأول لم يكن مكوناً من طبقة واحدة ، ولا أعرف ماذا كانت تفعل المرأة إذا لم تكن تقوم بإعداد الطعام وغسل الملابس والعناية بالأطفال وأفراد الأسرة! 
فإذا افترضنا أن المجتمع الذي كان يملك فيه الأغنياء (الطبقة العليا من المجتمع) عبيداً، يقومون بالأعمال الشاقة بدلاً من الزوج، وتتحمل الإماء أعمال البيت الشاقة عن الزوجة،  فإن هذه الرفاهية لم تكن متوفرة لكل طبقات الأحرار، كما هو الحال في كل زمان ومكان.

2-  والفقه الإسلامي إذا رأي بعض علماؤه أن لا تخدم المرأة زوجها وجوباً،  فإنه يقدم أيضاً بعض العلماء الذين راعوا ظروف المجتمعات الطبيعية من جهة، والحالية من جهة أخرى، فجعلوا توفير خادمة ضرورة إذا كانت الزوجة قبل زواجها تتمتع بهذا الحق، أما إذا كانت الزوجة ممن يعملن قبل الزواج بالواجبات المنزلية بنفسها بلا خادمة،  فيجب عليها أن تقوم بنفس العمل بعد الزواج.
 يقول صاحب (فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك – مسائل النفقات): "حاصل الأحكام المنصوصة أن المرأة إن كانت من أشراف الناس الذين ليس شأنهم الخدمة بأنفسهم، وكان الزوج موسرا قادرا على الإخدام فلا يلزمها شيء إلا الأمر والنهي، وكذا إن كانت من لفيف الناس الذين شأنهم الخدمة بأنفسهم ، وكان الزوج من الأشراف الذين لا يمتهنون نساءهم ، وعلى الزوج في هذين القسمين أن يأتيها بخادم بملك أو إجارة أما إذا كانت من الأشراف ، والزوج فقير لا قدرة له على الإخدام أو كانت من اللفيف ، والزوج كذلك ، ولو مليا فعليها في هذين القسمين الخدمة الباطنة من عجن وطبخ وكنس وفرش واستقاء ماء من بئر في الدار أو خارجها أو بحر بشرط القرب ، والاعتياد في الاستقاء ، وخياطة ثوب لها أو له".
وفي الحديث أن فاطمة جاءت إلى نبي الله(صلى الله عليه وسلم) تشتكي إليه الخدمة فقالت: يا رسول الله والله لقد مجلت يدي من الرحى (أي انتفخ وتورم جلد اليد)، أطحن مرة وأعجن مرة،  فقال لها رسول الله e إن يرزقك الله شيئاً يأتك وسأدلك على خير من ذلك إذا لزمت مضجعك فسبحي الله ثلاثا وثلاثين وكبري ثلاثا وثلاثين وأحمدي أربعاً وثلاثين فذلك مائة فهو خير لك من الخادم ... (الحديث، مسند أحمد، 25340).
كما ورد في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولا شئ غير فرسه وبعيره، فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤونته واستقى الماء وأخرز دلوه وأعجن وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ، حتى أرسل إلى أبو بكر بجارية فكفتني سياسة الفرس، فكأنما اعتقتني. (رواه البخاري في كتاب النكاح 107، ومسلم في كتاب السلام 34/2، وأحمد 6/347).
كما أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول: يا عائشة اطعمينا، يا عائشة اسقينا، يا عائشة هلمي الشفرة، واشحذيها بحجر" (رواه أبو داود في كتاب الأدب، باب 102، وأحمد 3/429 و5/426، والحاكم في المستدرك 4/270-271).

وواضح من الفقه الإسلامي، ومن الأحاديث العملية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن الزوجة يجب أن تقوم بالأعمال المنزلية لزوجها وتصبر عليه.  

وفي هذا الصدد من الملفت للنظر اعتبار بعض الزوجات الأعمال المنزلية أعمالاً من اختصاص الخادمة،  وجارى فضيلة المفتي للأسف هذا الاتجاه، متناسين أن أصل تلك الأعمال منوطة بالزوجات،  وأصبحت عملاً خاصاً بالخادمات لظروف ذكرتها أعلاه،  بالإضافة إلى مرض بعض الزوجات أو عدم كفاءتهن في إدارة بعض أعمال المنزل، لذلك صارت من أعمال الخادمات،  اللاتي هن نساء أولاً وأخيراً.


لا شك أن ضيق مساحة المقابلة الصحفية (صفحة واحدة) بالنسبة لإجابة عدة أسئلة، فيه ظلم للحكم على إجتهادات فضيلة المفتى.  إلا أن الظلم أكبر للمتضررين من هذه الفتوى الأخيرة، حيث ستحجم بعض الزوجات عن خدمة الأزواج والأولاد، وسيؤدي ذلك حتماً إلى ما لا يحمد عقباه، وفي أفضل الأحوال، ستطالب بعض الزوجات بمقابل مادي، ورجالنا متعسرون أصلاً،  حيث أن دخل الفرد العربي أقل بكثير عن دخل مثيله في العالم.  وإذا كانت عدد الزيجات في أكبر دولة عربية (مصر) انخفضت إلى أقل من 50% (إن حالات الزواج تراجعت من 759 ألف حالة في عام 2000 إلى 351 ألف حالة عام 2001. القبس 20/11  محطات مصرية )،  فلننتظر مزيداً من الانخفاض في عدد  الزيجات نتيجة هذه الفتوى. لنا الله.

الأربعاء، 18 مايو 2016

من هي ذات الدين ؟


إذا كنت مؤمناً متديناً فاظفر بذات الدين ولا تقبل بديلا لها
لأنها:
-          تريد زوجاً يكون غطاءً لها وتكون هي غطاء له... فتستره في الدنيا .. ليكون مستوراً في الآخرة.
-         غايتها الجنة وتعمل كل الوسائل التي تحقق لهما هذه الغاية. لذلك لن تدفع زوجها المؤمن إلى الكسب أي كان، بل إلى الكسب المشروع والحلال فقط.
-         تعرف أن الرزق بيد الله وليس بيد الزوج الذي يتهم بالتقاعس وعدم تدبير العيش – أي كان – مثل غيره ... الخ من الدوافع السيئة.

-         تعرف حق أم الزوج عليه، فلا تقلب الدنيا على حماتها أو تغضبها من ابنها الذي جاءت به.

السبت، 16 أبريل 2016

إيهاب توفيق ومشعل العروج في فيديو كليب يدعو لأداء الزكاة بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المعظم


مع قرب حلول شهر رمضان المعظم ...
كل عام وانتم بخير

كليبات دينية حديثة، هل هي خطوة للأمام في الدعوة للإسلام أم أسلوب مرفوض لأنها وسيلة غير مشروعة في عُرف البعض؟
في خطوة هي الأولى من نوعها قام المطربان المصري إيهاب توفيق والكويتي مشعل العروج بتصوير أغنية دينية بعنوان "الزكاة" العام المنصرم تدعو كلماتها المسلمين إلى إخراج الزكاة باعتبارها فرضاً من فروض الإسلام.
الأغنية التي أخرجها تامر حربي وأنتجها فيصل العيسى المنتج الخاص للعروج، استغرق تصويرها ثلاثة أيام، حيث تم تصويرها في شارع البورصة بوسط القاهرة، إلى جانب بعض مشاهد من الكليب تم تصويرها بأحد المستشفيات الخاصة بمدينة نصر وبعض شوارع مدينة نصر.
أغنية الزكاة تم عرضها على القنوات الفضائية بدء من النصف الثاني من شهر رمضان الكريم العام السابق، وهي من كلمات بهاء الدين محمد، وألحان أشرف سالم، وتوزيع محمد مصطفى، وهندسة الصوت لسامح المازني.
تقوم فكرة الأغنية على الدعوة لإخراج الزكاة كفرض في الإسلام لا بد من أن يطبقه الناس مثل الصلاة والصوم، لمساعدة الفقراء، وتحقيق التكافل الاجتماعي.
وأكد المطرب إيهاب توفيق أن الأغنية محاولة جديدة وتعتبر أيضاً فريدة من نوعها لأنها "هذه المرة بطريقة الغناء الموجه في شكل رسالة خاصة هدفها الوحيد القضاء على ظاهرة الفقر السائدة عامة في المجتمع".

وقال حربي "إن الأزمة الاقتصادية العالمية التي تعرضت لها جميع دول العالم في الفترة الأخيرة شجعتني على تبني هذه الفكرة، إضافة إلى أنها فكرة جديدة ولم يتم التطرق لها من قبل أحد من المخرجين في تصوير الكليبات، لذلك قمت بابتكارها واستغلالها في هذا الكليب".


الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015


الجندى المجهول

من المهندس/ سيد شرف

خواطر راودتنى ، وأحاسيس غالبتنى ، ومشاعر حركتنى .. فأمسكت بقلمى ، وقلبت صفحات ذاكرتى ، وتذكرت صفاء الابتداء ، وصياغة الأوفياء ، وصناعة السابقين ، وتاريخ المخلصين ممن قضوا نحبهم وهم أوفياء لدينهم ودعوتهم وبيعتهم ، فوجدت أكثرهم نفعا وتأثيرا... غرباء ، أو ان شئت فقل " الجندى المجهول " .

ولكن سرعان ما انسالت الكلمات يسطرها القلم ، تاريخ عظيم لا أجد له مثيل ، عظماء سطروا لنا معالم التاريخ ، دلنا عن وصفهم وأخبارهم وحالهم إمام المربين وحبيب المقتدين محمد الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ، فقال : " طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه ، أشعث رأسه ، مغبر قدماه ، يطير على ظهره عند كل هيعة " ( رواه البخارى ) ، غايته مرضاة ربه .. قدوته النبى وصحبه .. منطلقه دستور ربه .. سبيله الجهاد .. أسمى ما يتمناه الموت فى سبيل دينه وربه .

ومن أخص وصفه : ما بينه حبيب ربه صلى الله عليه وسلم : " إن من أغبط أوليائى عندى لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة ، أحسن عبادة ربه وكان غامضا فى الناس ، لا يشار إليه بالأصابع فعجلت منيته ، وقل تراثه وقلت بواكيه " ( ذكره المقدسى فى منهاج القاصدين )  .

هل رأيتم هذه الصفات العجيبة ؟ إنها والله تنطبق على معظم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ، ( لمؤمن خفيف الحاذ ) أى خفيف المسئولية والمؤنة ،

( غامض فى الناس ) فلا تسلط عليه الأضواء ، ولا يسمع عنه الناس ، بل مجهول فى وسطهم . ( لا يشار إليه بالأصابع ) فلا يقال هذا فلان بن فلان ( فعجلت منيته ) فى الجهاد فى سبيل الله ، يلقى بنفسه فى غمرات الموت لا يهاب ، ( وقل تراثه وقلت بواكيه ) لأنه يموت فى الغربة ، كأمثال حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد مات قرب المدينة ليس له باك يبكى عليه من زوجة أو ولد ، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لكن حمزة لا بواكى له " ( رواه أحمد وابن ماجة ) كذلك مات جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه على حدود الروم ولم يبكه أحد ، فهم وأمثالهم عاشوا غرباء وماتوا غرباء فى سبيل الله رب العالمين .

وأمثال هؤلاء أبكوا خليفة رسول الله الفاروق ، حين فتحت نهاوند فى أقاصى الشرق وسأل عمن استشهد من الصحابة ؟

فقيل : النعمان بن مقرن ، وفلان وفلان من القادة ، وبعض الجند لا يعرفهم أحد ، فبكى عمر بن الخطاب رضى الله عنه وجثا بركبتيه على الأرض ، وقال : إياك أن تقول لا يعرفهم أحد ، لا يضرهم إن كان لا  يعرفهم عمر بن الخطاب ويعرفهم الله الذى فى سابع سمائه ...

معاذ يبكى .. والفاروق يسأل .. ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن  ؟ هلك أخوك ؟ قال لا . ولكن حديث حدثنيه حبيبى صلى الله عليه وسلم وأنا فى هذا المسجد فقال :

ما هو ؟ قال : إن الله يحب الأخفياء الأتقياء الأبرياء ، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا . قلوبهم مصابيح الهدى . يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة .

وبكاء معاذ .. هو نفس  ما أبكى عمر حين سأل عن شهداء نهاوند .

هؤلاء غرباء لأنهم طلاب آخرة .. لا طلاب دنيا .. طلاب آخرة .. لا طلاب مكانة ومنصب .. طلاب آخرة .. لأنهم حطوا رحالهم هناك "  لموضع سوط فى الجنة خير من الدنيا وما فيها " ( رواه الترمذى ) .

يقول إبراهيم بن أدهم : ما صدق الله من أحب الشهرة .

وقال ابن مسعود : كونوا ينابيع العلم ، مصابيح الهدى ، أحلاس البيوت ، سرج الليل ، جدد القلوب ، خلقان الثياب ، تعرفون فى أهل السماء وتخفون فى أهل الأرض .

فالعمل الصامت عند المخلص أحب إليه من العمل الذى يحفه ضجيج الإعلان وطنين الشهرة ، ورحمة الله على من قال : كونوا عبادا قبل أن تكونوا قوادا تصل بكم العبادة إلى أحسن القيادة .

إن المخلص يستوى عنده العمل ... قائدا معروفا أو جنديا مغمورا ، فكلا الدورين يبتغى بهما وجه الله تعالى .

ورحم الله خالد بن الوليد .. المنتصر الفاتح الذى لا يشق له غبار ، يأتيه أبو عبيدة ابن الجراح بخبر عزله عن القيادة .. فيقدمه فرحا بتخفيف الله ، ويعلن صدق إخلاصه بحسن نصحه وإرشاده للقائد الجديد ،  فالكل فى سفينة لا يهم من القبطان ... ولكن تأمين المسير هو السبيل  لبلوغ شاطىء الأمان .

فكلمة الإخلاص هى التى تسوى بين الرؤس لا فرق بين أبيض ولا أسود ولا عربى ولا عجمى إلا بالتقوى . . يستوى مع ذلك القيادة والجندية .

هذا هو الجندى المجهول .. الذى بموته تستمر الحياة ، وبتاريخه تبنى الأمم حضارتها ، وبذكراه تتوالد الأجيال بعد الأجيال ، وبتاريخه العزة والنصر والكرامة والإباء .

وصدق الله إذ يقول : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " ( سورة الأحزاب آية 23 ) .

منقول عن أكاديمية البنيان المرصوص

الأربعاء، 9 يوليو 2014

سهولة الأمر بالفطري وبالطبيعي

تقسم الموسوعة الفقهية، بموقع الدرر السنية (http://www.dorar.net/enc/feqhia/130) أوامر الله عز وجل نوعان:

الأول: أوامر محبوبة للنفس كالأمر بالأكل من الطيبات، ونكاح ما طاب من النساء إلى أربع، وصيد البر والبحر ونحو ذلك.

الثاني: أوامر مكروهة للنفس وهي نوعان:

1- أوامر خفيفة كالأدعية والأذكار والآداب والنوافل والصلوات وتلاوة القرآن ونحوها.

2- أوامر ثقيلة كالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله.

والإيمان يزيد بامتثال الأوامر الخفيفة والثقيلة معاً، فإذا زاد الإيمان صار المبغوض محبوباً، وصار الثقيل خفيفاً، وتحقق مراد الله من العبد بالدعوة والعبادة، وتحركت بذلك جوارحه.

* ركب الله سبحانه في كل إنسان نفسين: نفساً أمّارة، ونفساً مطمئنة، وهما متعاديتان، فكل ما خف على هذه ثقل على الأخرى، وكل ما التذت به هذه تألمت به الأخرى، مع هذه ملك ومع تلك شيطان، والحق كله مع الملك والمطمئنة، والباطل كله مع الشيطان والأمارة، والحرب سجال. (انتهى النقل).

وقد استنتج أحد أئمة المساجد بعد مروره على آيات الأمر والنهي، إلى نتيجة مفادها "أن الله لا يأمر إلا بالأعمال التي لا يقوم بها البشر بشكل طبيعي وسهل"، وأورد أمثلة كثيرة على ذلك، منها أمره تعالي للأبناء بالإحسان إلى والديهم، بينما لم يأمر تعالى الوالدين برعاية أولادهم لأن هذا طبيعي عند كل المخلوقات!  قال تعالى يأمر الأبناء:"وبالوالدين إحسانا" (الإسراء:2).

وبالتالي، فإنني ممكن أن أضم حتى الأوامر المحبوبة للنفس إلى المكروهة، ذلك أن الأولى في القرآن الكريم لها شروط مثل أن يكون الأكل طيباً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } (البقرة: 172) ، والطيب يحتاج إلى مشقة في الحصول عليه وتحريه، وينطبق هذا على النكاح وغيره. والله أعلم.

أخبرني صديق أنه أمر أولاده أكثر من مرة بمراجعة دروسهم في أحد أيام الأجازة الأسبوعية (يعطل الأبناء هنا في الكويت يومين في الأسبوع : الجمعة والسبت)، كما أمرهم باستغلال الأجازة السنوية (أكثر من 3 شهور) في سد ضعفهم في بعض المواد العلمية، أو مضاعفة جهودهم في اللغة الإنجليزية أو الثقافة العامة.  ولكن ضاع نداؤه المتكرر أدراج الرياح كما يقول. وأضاف: أما قول أحد أصدقاءهم أنه لا يستذكر دروسه أيام الأجازات سواء الأسبوعية أو السنوية،  فتم أتباعه بسهولة، ودون أي جهد عقلي أو ذهني،  وطوال عمرهم الدراسي! وفسر ذلك بقوله:

لأني أمرتهم بشئ لا يقوم به البشر بشكل طبيعي،  ولكن يقوم به فقط من عرف فائدته ورام العلا، وناسب ذلك تطلعاته وطموحه.
أما ما أمرهم به صديق غير صدوق، فهو أمر سهل، وطبيعي عند أغلب الناس، وهو الاستسلام للراحة،  حتى أن بعض الناس يبذلون جهوداً كبيرة في تكديس الأموال في سن الشباب، من أجل الراحة في آخر الأيام.


وعجبي!

قضية أخلاقية في شهر رمضان

قضية أخلاقية  في شهر رمضان
          أثارت الوصية التي تركها مصمم الأزياء البريطاني
ألكسندر ماكوين وخصص بموجبها خمسين ألف استرليني ليتمتع كلبه مينتر بالعصائر حتى نهاية حياته ثورة في صفوف جمعيات الرعاية الاجتماعية، خصوصا أن المصمم لم يترك لأي منها أي مبلغ يُذكر من ثروته البالغة 16 مليون جنيه إسترليني، كانت غالبيتها من نصيب جمعيات الرفق بالحيوان. يُشار الى انه خصص جمعية واحدة (مارتن كوليج اوف آرت) كان درس فيها تصميم الازياء للانفاق على مساعدة طلاب الفن للابداع.
سؤال أخلاقي : هل يجوز التبرع لحيوان معين أو حيوانات، بالرغم من وجود اناس من البشر احوج إلى هذا التبرع؟  إذا كانت الاجابة بلا،  إلى من تتبرع إذا رزقك الله بمال زاد عن حاجتك، اختر اجابة:
-        جمعية القرية تهدف إلى اعانة الفقراء واليتامى
-        جمعية نوبية تهدف إلى التنمية الثقافية
-        جمعية نوبية تهدف إلى العودة للنوبة الأصلية



الجمعة، 20 يونيو 2014

مرض اسمه عدم الطاعة


صدفة قد تتكرر عند الكثيرين، وهو قراءة رأيين متعارضين في موضوع واحد لكاتبين ربما لم يقصد التالي دحض آراء المتقدم عليه، وربما لم يقرأ كتابه أصلا.

الموضوع هو الطاعة
والكتاب الأول هو "الإسلام عقيدة وشريعة" للإمام الأكبر محمود شلتوت (1893م - 1963م)، بدون تاريخ.
والكتاب الثاني هو كتاب العربي "خطاب إلى العقل العربي - مرض اسمه الطاعة" للدكتور فؤاد زكريا - 15 أكتوبر 1987 (تذكروا هذا التاريخ) .

طاعة الوالدين دليل تخلف ؟!
نبدأ بالكتاب الأخير، حيث يرى د. فؤاد زكريا أن الطاعة تأتي على رأس الأسباب المعنوية لتخلفنا وتراجعنا واستسلامنا، بل هي رذيلتنا الأولى، وفيها تتبلور سائر عيوبنا ونقائصنا. ويورد صورا من الطاعة مثل:
"طاعة الوالدين" . و "طاعة المرأة لزوجها" .
ويعتبرهما مما تفرضه التقاليد الاجتماعية؟!

أشكال أخرى من الطاعة:
ثم يضيف أشكالا تندرج تحت مفهوم الطاعة مثل :
- إجابة التلاميذ لامتحانات أساتذتهم حرفيا كما في الكتاب المقرر
- وطاعة المرؤوس لرئيسه
- ثم طاعة المحكوم للحاكم
والدكتور زكريا لا يرى ضرورة للطاعة إلا في النظام العسكري، حيث ثبت "فعاليته في المهمة الأساسية التي تضطلع بها الجيوش وهى القتال في سبيل الوطن". ويستدل على هذه الفعالية وحقيقتها على "أن معظم جيوش العالم كانت وما تزال تأخذ به"؟!

المتمردون والإنجازات :
ويخلص من ذلك كله، أن أعظم إنجازات الإنسان لم تتحقق إلا على أيدي أولئك الذين رفضوا أن يكونوا مطيعين ؟!

مقدمة الرد:
ودارس الفلسفة، والدكتور فؤاد زكريا أستاذ بل من أكبر أساتذتها، لا يستطيع أن يتحرر من قيود الأفلاطونية (1) التي تحاول أن تصيغ مبدءا أو قانونا عاما يكون صالحا للتطبيق أو لتفسير كل شيء في الوجود .. الفكر .. الواقع .. الروح .. المادة، ثم يجلس مرتاحا، لأنه هكذا قد نظم الكون كله؟!

تمرد رجعي:
قد يبدو للبعض أن رفض القواعد الاجتماعية فكرة تقدمية، أو أنها من إبداع د.فؤاد زكريا. ولهؤلاء البعض نسوق لهم ما كان يعتقده السفسطائيين أمثال بروتاجوراس وتراسيماخوس وغيرهم ( من أكثر من 500 سنة ق.م) " أن المدينة ليست نظاما طبيعيا، وإنما هي نظام صناعي. ويترتب على ذلك أن القوانين والقيم والعادات أمور تعود إلى الاصطلاحات البشرية فحسب" (2). ويعني ذلك أننا نستطيع أن نغير الأوضاع والعلاقات في المجتمع وقتما نريد، وأنه ليست هناك قيم ثابتة.
وهذه النظرة (القديمة) واضحة في مقالة د. فؤاد زكريا.

1) طاعة المحكوم للحاكم:
إن قارئ مقالة د. زكريا يستطيع، وبسهولة، أن يدرك أن وراء ذكر أشكال عديدة من الطاعات هدفه هو رفض طاعة المحكوم للحاكم. وإذا كنت أريد في هذه المقالة أن أرد على هذه الجزئية، إلا أن هذا لا يمنع من الرد على الأشكال الأخرى في ثنايا المقالة.
يقول فضيلة الشيخ محمود شلتوت في شئون الدولة(الكتاب الأول المذكور أعلاه) عن القيادة في الحياة: "أن شئون الأمة متعددة بتعدد عناصر الحياة، وأن الله قد وزع الاستعداد الإدراكي على الأفراد حسب تنوع الشئون، وصار لكل شأن بهذا التوزيع رجال، هم أهل معرفته، ومعرفة ما يجب أن يكون عليه، ولكل جانب رجال عرفوا فيه بنضج الآراء وعظيم الآثار وطول الخبرة والمران" (3)
كما يقول في ضرورة وجود رئيس على أي جماعة، ضرورة اجتماعية، يفرضها التجمع الإنساني:" ليس من الحكمة في نظر شرع أو وضع أن يترك مجتمع دون أن يعرف له رئيس يرجع إليه في الرأي، عند الاختلاف، وفي مهام الشئون. فذا تصور مجتمع على هذا النحو، ليس له محور يدور حوله ويعتصم به، فهو مجتمع مآله حتما إلى السقوط والانحلال. مجتمع صائر لا محالة إلى الفوضى والاضطراب بالتنازع والتضارب وتناقض الرغبات. وبذلك ينقلب المجتمع رأسا على عقب، تتفكك وحداته، وتتناثر لبناته، وتضيع الثمرات التي عقدت به، وأنشئ سبيلا للحصول عليها."
وهو في هذا يتفق مع السنة النبوية. قال رسول الله (ص) :" لا يحل لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض، إلا أمروا عليهم أحدهم".
فوجود جماعة، وعلى الجماعة حاكم، ضرورة حتمية. ولك أن تتصور أن دولة مثل الصين (وعدد سكانه يربو على المليار ونصف) تريد أن تعقد اتفاقية مع دولة أخرى، وليس عليها رئيس، بالله من يستطيع فردا كان أو جماعة أن يعقد مثل هذا الاتفاق مع المليار من السكان؟!
نحن عرب ونعيش في منطقة عربية، ولم أقرأ يوما أن مفكرا عربيا أو مسلما قال بالطاعة العمياء للحاكم، كما أراد د. زكريا أن يلصقها بنا نحن العرب.
الدين الإسلامي، وهو روح هذه الأمة، يقرر أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. سواء كان هذا المخلوق أبا أو أما أو زوجا أو مدرسا أو حاكما. قال تعالى في سورة النساء :
" يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".
والمعنى واضح في أن طاعة أولي الأمر مرتبطة بطاعتهم لله ورسوله.

ونرى رفض الطاعة العمياء في فكرنا الإسلامي فيما قالته المعتزلة من أن "الأمة لا يجوز عليها الخطأ .. والإمام إذا أخطأ، فعلماء الأمة يأخذون على يده لأنا لا نجوز على جميعهم الخطأ."
وإذا كان السلطان مفسدا وكل الناس ليسوا خلقاء باحتمال الإقبال والرفعة كما يقول أرسطو. كما أن بعض الناس ينظر إلى الحاكم نظرة متوجسة دائما ويبتعدون عنها.
فالمفكرون والزعماء العرب لم يفتهم هذا. كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري قائلا:
"أما بعد، فان للناس نفرة عن سلطانهم، فأعوذ بالله أن تدركني وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة، أقم الحدود ولو ساعة من نهار".

2) طاعة التلميذ لأستاذه:
وفي تفسير معنى طاعة التلميذ لمدرسه، قال جابر بن حيان (721 - 815 م): ".. أما ما يجب للأستاذ على التلميذ، فهو أن يكون التلميذ لينا، متقبلا لجميع أقواله من جميع جوانبه، لا يعترض في أمر من الأمور، فان ذخائر الأستاذ العلم، ولا يظهرها للتلميذ إلا عند السكون إليه. ولست أريد بطاعة التلميذ للأستاذ أن تكون طاعة في شئون الحياة الجارية، بل أريدها طاعة في قبول تعلم الدرس وترك التعامل".

عبارات واضحة ومفهومة لجابر بن حيان، ولا تخرج عما شرعه الدين الإسلامي.

3) حقيقة المتمردين والإنجازات:
نأت إلى مقولة د. زكريا الأخيرة وهى: "أكاد أقول أن أعظم إنجازات الإنسان لم تتحقق إلا على أيدي أولئك الذين رفضوا أن يكونوا مطيعين".
هذه المقولة ليست مطلقة، كما أن قليلا من العلماء يدعي أنه البداية وكلنا يعلم أن علم الفيزياء أكثر العلوم التي استقطبت أعظم إنجازات الإنسان. ومع ذلك نلاحظ كما تقول د. نازلي إسماعيل :
"أن النسق العلمي في هذا العلم، قد تكون بالجمع بين القوانين العلمية. مثال ذلك. أن جاليليو اكتشف قانون سقوط الأجسام والسرعة الملازمة له. وكان ذلك بالنسبة للأجسام الفيزيائية. ثم اكتشف كبلر من بعده، حركات الكواكب وصاغها في ثلاث قوانين. وبعد ذلك، جاء نيوتن ليجمع بين قوانين جاليليو وكبلر، وليضيف إليها، قانون الجاذبية ليفسر بها حركة المد والجذر " (4)
وكذلك يلاحظ "أن نظرية النسبية تعتبر أعم من نظرية الجاذبية، لأنها لا تنطبق على الأجسام الجامدة فقط، إنما تنطبق أيضا على الضوء والطاقة بكافة أشكالها. ولقد تضمنت نظرية النسبية نظريات أخرى غير الجاذبية، مثل الكهرمغناطيسية ونظريات أخرى حديثة في نظام الفلك. وبدون هذه النظريات المختلفة أو المقدمات الضرورية، ما كان من الممكن ظهور نظرية النسبية"(5)
هذا "وفي كل يوم يكتشف العلماء في معاملهم ظواهر جديدة، ولكن لا يستطيع عالم واحد بمفرده أن ينشئ علما، كما يضع الفيلسوف فلسفته الخاصة. إن كل نظرية علمية، تستند إلى نظريات سابقة. فمثلا وضع مكسويل قوانين الكهرباء ابتداء من قوانين أمبير في الالكتروديناميكا، كما أن قوانين أمبير كانت بدورها تستند إلى قوانين أورشتد"(6).

الخاتمة
أفكار سوداء:

أتساءل، وأرى أن من حقي أن أتساءل كانسان عربي:
إلى ماذا يهدف مفكر عربي مثل د. زكريا بمقالته هذه؟
هل يهدف إلى خير هذه الأمة؟ أم إلى الشر؟
هل يهدف إلى انتشال هذه الأمة من سباتها؟ أم يهدف إلى إغراقها وأن يردي بها إلى المهالك؟
إن تاريخ الفكر الإنساني يحمل الأفكار الخيرة، كما يحمل الأفكار الشريرة. يحمل الأفكار التي قبلتها الإنسانية، ويحمل كذلك الأفكار المرفوضة. فإلى أي فريق تنتمي أفكار د. زكريا ؟
أشك في أن يكون التاريخ سجل في عصر من العصور السابقة أنه قد أعتدي فيها على حقوق الوالدين أو الزوج أو الأستاذ أو الحاكم أكثر مما اعتدى عليها في عصرنا هذا، وفي المنطقة إلى نعيش فيها.
لا عليك إلا أن تقرأ صفحات الجرائم في الصحف، لترى الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها الأبناء ضد أحد الوالدين أو ضد كليهما معا.
لا عليك إلا أن تشاهد المسرحيات التي تعرض علينا في التليفزيون، لترى وتسمع عبارات الاستهزاء من تلاميذ لأستاذهم، حتى أنه يؤرخ لبداية سقوط هيبة المدرس وشغب التلاميذ في مصر بمسرحية علي سالم الشهيرة "مدرسة المشاغبين".
لا عليك إلا أن ترجع إلى قوانين الأحوال الشخصية في مصر والتي أطلق عليها الكاتب الساخر أحمد رجب بقانون "الأهوال الشخصية"، لترى كيف اعتدى على حقوق الزوج والأب. علما أن العلماء كانوا إلى وقت قريب يستدلون بأن الدولة تطبق الشريعة الإسلامية بدليل واحد ووحيد هو تطبيق الأحكام الشرعية في قانون الأحوال الشخصية.
وكمواطن مصري أليس من حقي أن أربط بين مقالة د. زكريا في أكتوبر 1987 وبين سلسلة قتل الأزواج في الأعوام التالية على هذا التاريخ ؟! (راجع الملف الكامل في مجلة سيدتي بعد هذا التاريخ).
وإذا كان تاريخ الفكر الإنساني يدلنا كذلك، أن المفكر يعبر عن عصره، أو هو نتاج عصره وبيئته. فأترك للقارئ وذكاؤه حرية أن يضع أفكار د. زكريا ممثلا لأي بيئة موجودة في عصرنا هذا وفي منطقتنا.

الرأي في الإسلام:
وأخيرا، لنا أن نتساءل :
هل آراء وأفكار د. زكريا - بعد الذي قرأناه وبالمعيار الإسلامي - يعتبر فكرا أو رأيا؟
يقول د. عبد الصبور مرزوق :" أن الحديث عن الرأي من المنظور الإسلامي يساوي الحديث عن الحياة، وحق الإنسان في الحرية يساوي حقه في الوجود. وإذا كان بعض الفلاسفة يقولون في شعاراتهم "أنت تفكر إذن أنت موجود". فأنا كمفكر مسلم أقول "أنت صاحب رأى إذن فأنت موجود .. وإذا كنت لا رأى لك، فوجودك وعدمه سواء".
والرأي في الإسلام يجب أن يكون منضبطا مع معايير الحق والعدل، بأن يكون بعيدا عن الباطل أو الظلم.. وإذا كان الرأي خارجا على ما أمر به الإسلام فليس برأي."(7).

سعيد كرار
المراجع:
(1) يقول د. حسن عبد الحميد عن مقولة أن الفلسفة بناء نسقي متكامل أنه يعني "أن تكون فلسفة الفيلسوف عبارة عن نظرة متكاملة يفسر بها كل ما يدور حوله من أمور، سواء تعلقت هذه الأمور بالفرد أو المجتمع أو الطبيعة. ويعزى إلى أفلاطون هذا الطابع لذي تطبعت به الفلسفة بعده" (من : مدخل إلى الفلسفة 1977 - ص 106 ).
(2) د. فيصل بدير عون - قراءات في الفلسفة السياسية - ص 87 .
(3) الإمام الأكبر محمود شلتوت - الإسلام عقيدة وشريعة - ص 443.
(4) د. نازلي إسماعيل حسين - التفكير العملي 1983 - ص 77
(5) نفس المصدر السابق ص 78
(6) نفس المصدر السابق ص 92
(7) مجلة "اللواء الإسلامي" - العدد 164 - السنة الرابعة - 14 مارس 1985 .
كذلك نعرف أن أرسطو رفض رأى أفلاطون القائل بإزالة الأسرة من مدينته الفاضلة للمحافظة على وحدة الدولة، وقال بأن الإنسان مدني بطبعه، "أى أنه يميل إلى الجماعة والى تكوين الأسرة كنظام طبيعي فطري وليس نظاما مصطنعا "(2 أعلاه).

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

سهولة الأمر بالراحة وبالسهل

تقسم الموسوعة الفقهية، بموقع الدرر السنية (http://www.dorar.net/enc/feqhia/130) أوامر الله عز وجل إلى نوعين:
الأول: أوامر محبوبة للنفس كالأمر بالأكل من الطيبات، ونكاح ما طاب من النساء إلى أربع، وصيد البر والبحر ونحو ذلك.
الثاني: أوامر مكروهة للنفس وهي نوعان:
1- أوامر خفيفة كالأدعية والأذكار والآداب والنوافل والصلوات وتلاوة القرآن ونحوها.
2- أوامر ثقيلة كالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله.
والإيمان يزيد بامتثال الأوامر الخفيفة والثقيلة معاً، فإذا زاد الإيمان صار المبغوض محبوباً، وصار الثقيل خفيفاً، وتحقق مراد الله من العبد بالدعوة والعبادة، وتحركت بذلك جوارحه.
* ركب الله سبحانه في كل إنسان نفسين: نفساً أمّارة، ونفساً مطمئنة، وهما متعاديتان، فكل ما خف على هذه ثقل على الأخرى، وكل ما التذت به هذه تألمت به الأخرى، مع هذه ملك ومع تلك شيطان، والحق كله مع الملك والمطمئنة، والباطل كله مع الشيطان والأمارة، والحرب سجال. (انتهى النقل).

وقد استنتج أحد أئمة المساجد بعد مروره على آيات الأمر والنهي، إلى نتيجة مفادها "أن الله لا يأمر إلا بالأعمال التي لا يقوم بها البشر بشكل طبيعي وسهل"، وأورد أمثلة كثيرة على ذلك، منها أمره تعالي للأبناء بالإحسان إلى والديهم، بينما لم يأمر تعالى الوالدين برعاية أولادهم لأن هذا طبيعي عند كل المخلوقات! قال تعالى يأمر الأبناء:"وبالوالدين إحسانا" (الإسراء:2).
وبالتالي، فإنني ممكن أن أضم حتى الأوامر المحبوبة للنفس إلى المكروهة، ذلك أن الأولى في القرآن الكريم لها شروط مثل أن يكون الأكل طيباً، قال تعالى: -{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } (البقرة: 172) ، والطيب يحتاج إلى مشقة في الحصول عليه وتحريه، وينطبق هذا على النكاح وغيره. والله أعلم.
أقول ذلك لأنني أمرت أولادي أكثر من مرة بمراجعة دروسهم في أحد أيام الأجازة الأسبوعية (يعطل أبناءنا هنا في الكويت يومين في الأسبوع : الجمعة والسبت)، كما أمرتهم باستغلال الأجازة السنوية (أكثر من 3 شهور) في سد ضعفهم في بعض المواد العلمية، أو مضاعفة جهودهم في اللغة الإنجليزية أو الثقافة العامة. ولكن ضاع ندائي المتكرر أدراج الرياح.
أما قول أحد أصدقاءهم أنه لا يستذكر دروسه أيام الأجازات سواء الأسبوعية أو السنوية، فتم أتباعه بسهولة، ودون أي جهد عقلي أو ذهني، وطوال عمرهم الدراسي.
لأني أمرتهم بشئ لا يقوم به البشر بشكل طبيعي، ولكن يقوم به فقط من عرف فائدته ورام العلا، وناسب ذلك تطلعاته وطموحه.
أما ما أمرهم به صديق غير صدوق، فهو أمر سهل، وطبيعي عند أغلب الناس، وهو الاستسلام للراحة، حتى أن بعض الناس يبذلون جهوداً كبيرة في تكديس الأموال في سن الشباب، من أجل الراحة في آخر الأيام.

وعجبي!



الأحد، 21 يونيو 2009

القرابة نعمة أم نقمة (1)



قال تعالى: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى .." w

القرابة موضوع هام وكبير، شغل السياسيين والمفكرين وعلماء النفس وغيرهم من زمن طويل. ثم أصبح علما بذاته، هو الانثربولوجي. يقول العالم بنيدهام: "إذا سأل عما يفعله الأنثربولوجيون الاجتماعيون، لكانت دراسة القرابة حتما هي الإجابة".

والأقارب هم عصبة الفرد، إلا أن تعريف ابن خلدون للعصبة أوسع معنى من المألوف. فالعصبة عنده تضم فئتين، الأولى هم الأقارب العاصبون، الذين يجمعهم الانتماء الواحد المشترك إلى سلف واحد، هو مؤسس العصبة، وتتسمى في الغالب باسمه. والثانية تشمل الأعضاء الحلفاء والموالي والأتباع، منهم من يرتبط بالفئة الأولى عن طريق الأم، أو يرتبط به

ما فائدة الأقارب أو العصبة ؟
ولماذا ضعفت الروابط بالأقارب في العصر الحديث؟

يؤكد ابن خلدون على أهم حاجتين للإنسان، أولهما الحاجة إلى الطعام، وثانيهما الحاجة إلى الأمن والحماية.
وإذا كانت الحاجة إلى الطعام واضحة، إلا أن الحاجة إلى الأمن والحماية وعلاقتها بالأقارب غير واضحتين خاصة لساكني المدن في العصر الحديث. وذلك لأن هاتين المسألتين توكل إلى آخرين ليسوا بالضرورة أن يكونوا أقارب لنا بالمعنى الضيق لمعني القريب. ولكنهم أبناء وطننا الذي ننتمي إليه. فالوطن أو الدولة الحديثة توفر لنا الأمن والحماية من خلال رجال الشرطة والجيش، كما يوفر لنا آخرون من أبناء الوطن سبل التكافل الحديث من خلال شركات التأمين وغيرها من المؤسسات الوطنية. وما وفره الوطن من الأمن والحماية هي إحدى أسباب ضعف العلاقة بين الأقارب في المدينة والريف كما يذكر ابن خلدون.

ويؤكد ابن خلدون على أسباب أخرى رآها في المجتمع الحضري في عصره، ومازالت موجودة حتى الآن، كانت سببا في ضعف العلاقة بين الأقارب، منها غلبة المصالح الشخصية على مصالح العصبة، ولوجود النظم الاجتماعية التي تؤدي نفس هذا الدور، ولأن الظروف الحضرية تؤدي إلى نمو فكرة الأسرة، ونمو كل ما هو خاص ومتعلق بمصلحة الشخص عما هو متعلق بالجماعة من حقوق.

ويضيف سبب آخر، وهو ظهور الصداقة والمحبة والأيديولوجيا السياسية كمصدر للعصبة في المجتمعات الحضرية، بجانب المصاهرة والنسب الصريح والولاء والحلف.

سؤال أخير، هل هناك علاقة بين أمراض العصر وبين ضعف العلاقات الحميمة بين الأقارب؟

نعم، هذا ما يؤكده علم النفس المعاصر، وهو أن هناك علاقة بين أمراض العصر، وبين العلاقات الحميمة بين الأقارب.

فقد اكتشف فريق (لنش) أستاذ علم النفس ومدير العيادات النفسية - كلية الطب - جامعة ماريلاند، عن طريق استخدام تقنية الدماغ الإلكتروني، أن ضغط الدم يرتفع بنسبة تتراوح بين 40، و50 % إن كنت تتحدث مع غرباء !

وقد أثبت الأستاذ (لنش) بالأدلة الدامغة في كتابه "القلب الكسير" أن العلاقات السعيدة مع الأقارب والأصدقاء وبين الزوجين، لا تفيد الصحة العقلية فحسب، بل ربما تقي المرء من أمراض القلب، أحد أخطر أمراض العصر.

فالأقارب يلعبون دورا هاما في حياة الفرد كما أثبت العلم الحديث، ومن قبل أحاط الدين الإسلامي العلاقات بين الأقارب (الأرحام) بكثير من القدسية، وهذا موضوع آخر سوف نعرضه في الأعداد القادمة.

بقى أن نعرف من هو القريب كما يعرفه ابن خلدون في مقدمته، كأجمل تعريف عرفته حتى الآن. وهو أن القريب هو من يجد في نفسه غضاضة من ظلم قريبه، أو العداء عليه، ويود لو يحول بينه وبين ما يصله من المعاطب والمهالك : نزعة طبيعية في البشر مذ كانوا.

إذن القريب ليس ذلك الذي يرى الظلم الذي يقع عليك، فيقف ساكتا. وليس القريب الذي يعرف بالمصائب التي تحيطك ولا تدري عنه شئ ، فلا يحذرك أو يتعاون معك لدرئه عنك. بل هو من تصيبه غصة عندما يراك مظلوما، ويدافع عنك إذا كثرة الأعادي حولك. وهو الذي يقف حائلا بين المصائب والمهالك التي قد تصيبك.
القرابة إذن نعمة، كيف تحولت إلى نقمة؟ هذا ما سنعرفه في الأجزاء الباقية.
(الصورة من جريدة القبس)

الاثنين، 18 مايو 2009

أهداف تدريس الفلسفة في الثانوية


ملخص "تطبيقات في المناهج"، أ. د. سهام حنفي محمد

تقويم الكتب المقررة لمادة الفلسفة بالمرحلة الثانوية من منظور قيمي:
أهداف تدريس الفلسفة في المرحلة الثانوية
(أ) وظيفة تحليلية تعني بتحليل القيم والمفاهيم المختلفة بقصد الوصول إلى الافتراضات الأولى التي تقوم ورائها ويهدف البحث عن مدى ملاءمتها لأوضاع المجتمع وثقافته.
(ب) وظيفة تركيبية أو تنسيقية، تنسق بين القيم والاهتمامات الناشئة في هذا العصر مع غيرها من القيم السابقة.
(ج) وظيفة تأملية تعني بالقيام بعمليات فكرية شاملة تنعكس في شكل فروض عريضة يتم في ضوئها إعادة تفسير الخبرة الإنسانية.

والتحليل والتركيب إنما يكونان في مكان وزمان معينين ومن ثم فإن الفيلسوف في عمله هذا يعكس لنا صورة المجتمع والعصر (إبراهيم : 1944 : 52).

وتتمثل القيمة التربوية لدراسة مادة الفلسفة في أن الطالب في المرحلة الثانوية يكون نجاحه إلى هذه المادة دون سواها ، لأنه قد تعلم في السنوات السابقة العديد من الحقائق، ولم يكن على الطالب إلا أن يقبل هذه الحقائق كما تعلمها، ولكن دراسة الفلسفة تحفزه على عدم الوقوف سلبياً أمام ما يتلقى من حقائق ومعلومات، وإنما يتساءل حولها. ففي ذلك صحوة عقلية كبرى ويقظة فكرية يمكن أن تأتي بأبلغ ما يتمنى المربي من نتائج، ذلك أن المربي لا يريد من الطالب أن يقف عند مستوى تخزين المعلومات في ذهنه وإنما يريد منه أن ينهج نهجاً فكرياً منطقياً تحليلياً ناقداً ( حماد : 27:2000 ). ولا يتم ذلك إلا بدراسة العلوم الفلسفية من منطق وعلم الجمال وعلم الأخلاق.

يهدف تدريس الفلسفة إلى :
1- إبراز الفروق بين الأسلوب الفلسفي وأساليب التفكير الأخرى.
2- التعود على استخدام النظرة الكلية الشاملة في فحص شئون الحياة وعدم الاكتفاء والتسليم بالعلل القريبة .
3- تكوين وجهة نظر شخصية عقلية تفسر أحداث الحياة وتحدد موقف الفرد منها بطريقة إيجابية واضحة .
4- إستخدام النظرة النقدية الناجحة في تناول حقائق الحياة بدلاً من قبولها على علاتها.
5- التأكيد على أهمية النظرة التحليلية الناقدة العميقة لأمور الحياة .
6- تأكيد حرية التفكير وارتباطها بالتسامح العقلي وعدم التعصب الفكري .
7- إبراز حقيقة تمتع الإنسان بالحرية باعتبار أن الإسلام دين حرية تتمثل في صورة معتدلة دون تطرف في الجبرية أو الفوضى تحت شعار الحرية .
8- تأكيد إرتباط مفهوم الحرية بالكرامة الإنسانية وأنها من العوامل الأساسية لارتقاء الإنسان وذلك من خلال معالجة مشكلة الحرية .
9- إبراز أهمية التمسك بالسلوك الأخلاقي المعتدل من خلال دراسته لمذاهب الالتزام الأخلاقي.
قائمة مبدئية بالقيم في ضوء الدراسات السابقة :
1- الحرية . 2- العدل . 3- المساواة . 4- النقد البناء . 5- الوسطية والاعتدالية . 6- الالتزام الخلقي . 7- تقديس العمل . 8- الحق . 9- الخير 10- الجمال 11- الديمقراطية 12- التمعن العقلي 13- تحمل المسئولية . 14- التأمل 15- التبصر 16- التفكير العلمي 17- التواضع 18- تقبل الآخر .

أولاً : كتاب الصف الأول الثانوي
وفيما يلي ترتيب القيم المذكورة حسب نسبة تمثيلها في كتاب الفلسفة للصف الأول الثانوي :
1- الوسطية والاعتدال – الالتزام الخلقي – التمعن العقلي – التبصر – التواضع بنسبة مئوية 0.4%
2- الحق – الخير – الجمال – الديمقراطية بنسبة مئوية 0.8%
3- المساواة بنسبة مئوية 1.5%
4- التأمل التفكير بنسبة مئوية 1.9%
5- النقد البناء بنسبة مئوية 3.8%
6- الحرية بنسبة مئوية 5.7%
7- العدل بنسبة مئوية 6.5%

ثانياً : كتاب الصف الثالث الثانوي
- ترتيب القيم المذكورة حسب نسبة تمثيلها في الكتاب المذكور :
1- تقبل الآخرين بنسبة مئوية 0.4%
2- الديمقراطية بنسبة مئوية 0.8%
3- المساواة والحق والخير والجمال والتمعن العقلي والتأمل بنسبة مئوية 1.5%
4- النقد البناء والوسطية والاعتدال والتبصر بنسبة مئوية 1.9%
5- العدل بنسبة مئوية 3.8%
6- تحمل المسئولية بنسبة مئوية 7%
7- الحرية والالتزام الخلقي والتفكير بنسبة مئوية 7.7%

تفسير نتائج البحث
تشير النتائج بوجه عام إلى تدني معالجة كتاب مادة الفلسفة للصف الأول من المرحلة الثانوية للقيم السابق تحديدها فقد تراوحت النسب المئوية بين 0.04% و7.7% وتعتبر هذه النسبة منخفضة خاصة وأن العديد من القيم كانت نسبة تضمينها في المحتوى صفر إذا ما قورنت بالأهمية التي أولتها الدراسات والبحوث والمؤتمرات والندوات لموضوع القيم وضرورة تضمينها في مناهج التعليم ، وترى الباحثة أن مثل ذلك التدني في نسبة تضمين القيم في كتابي الفلسفة يمكن إرجاعه إلى عدد من الأسباب . كما قد يرجع مثل هذا التدني إلى أن القائمين على إعداد الكتب الدراسية قد يعتقدون أن مسئولية تدريس القيم وتنميتها لدى الطلاب تقع على عاتق مناهج التربية الدينية والوطنية ومعلميها في المقام الأول وأن دور مادة الفلسفة محدوداً في هذا المقام الأول . وقد يرجع ذلك إلى عدم وجود كتب تدريبات مصاحب لكتاب الفلسفة يتضمن هذه القيم مع أن مادة الفلسفة تعتبر بيئة حقيقية لتنمية تلك القيم ورعايتها لدى المتعلمين. كما قد يرجع عدم تضمين بعض القيم الهامة في كتابي الفلسفة إلى غياب خريطة لتضمين القيم في المواد الدراسية وأنشطتها المختلفة مما يجعل الأمر غامضاً أمام مصممي منهج الفلسفة ومن يكتبون وثيقته ويختارون خبراته وتترك عملية تضمين القيم هذه للصدفة أو لمساحة الوقت المتاح لتدريس هذه المادة .
وقد يعزى عدم تضمين القيم الضرورية في منهج الفلسفة إلى ثورة المعلومات وما يضاف للمواد الدراسية من معرفة ومعلومات بصفة دورية مما يجعل عملية اختصار محتوى هذا المنهج أو ذاك من الصعوبة بمكان ويجعل عملية إضافة عبء آخر على المحتوى مثل القيم أو الاتجاهات حمل زائد يستطيع الكتاب المدرسي أن يقوم به رغم أن عملية تضمين القيم في المواد الدراسية بطريقة عملية سيجعل هذا الحمل موزع وقابل للتنفيذ ، وبالتالي فمهمة الكتاب المدرسي ستنحصر في توضيح القيم ويأتي دور كتاب التدريبات والأنشطة الذي يمكن أن يفرد لكل قيمة مجموعة من التدريبات والتمارين من خلال الأنشطة الصفية واللاصفية بمساعدة وتوجيه المعلم .

أهم توصيات الدراسة
في ضوء ما أسفرت عنه الدراسة الحالية من نتائج توصي الباحثة بما يلي :
1- تضمين كتاب مادة الفلسفة ببعض من القيم التي أثبتت الدراسة أهميتها للمرحلة الثانوية .
2- إستخدام المنهج الحلزوني في تدريس تلك القيم بصورة يراعى فيها التوسع والعمق كلما انتقل الطالب من صف دراسي إلى الذي يليه .
3- إستخدام طرق تدريس مناسبة يمكن عن طريقها بث القيم لدى المتعلمين .
4- توفير قدر كاف من القراءات الخارجية المتعلقة بالقيم وجعلها في ميسور الطلاب للإطلاع عليها والاختيار من بينها .
5- الإستفادة من وسائل التربية الرسمية وغير الرسمية في تنمية القيم الأصلية التي بدأت تضعف بسبب الهيمنة الإعلامية في العصر الحديث .
6- ضرورة وضع إستراتيجية مقترحة لتضمين القيم في المواد الدراسية بالمرحلة الثانوية .

الأربعاء، 4 مارس 2009

العمل الخيري لا يقف عند الدعوة إلى الله


يحصر كثير من الناس العمل الخيري في الدعوة إلى الله, ويرون أن مساعدة المحتاجين وبناء الملاجئ وغيرها أمور لا تعنيها.

أن أي دين, إذا أريد له أن يكون مؤثراً في حياة الناس, خاصة البسطاء, لا يجب أن يقف عند حدود الدعوة, بل يجب أن يشعر به الناس في حياتهم به. ويتذكر أكثر القراء ما كانت تقوم به الممرضات الراهبات في المستوصفات القليلة التي كانت منتشرة في الستينات في القاهرة تحت اسم (السبع بنات), اللاتي لم أجد لهن مثيلاً بعد ذلك سواء في مصر أو هنا في الكويت, في حسن معاملاتهن ونظافتهن وكل شئ في مستوصفاتهن الصغيرة من نظام وعناية, رغم فارق السنين والامكانيات التكنولوجية والعلاجية الحديثة.

وسيدهش القارئ إذ علم أن حجة الإسلام الغزالي يجعل توفير حاجات الإنسان ومنها الكسوة والمسكن وغيرها أولوية على نظام الدين, حيث يقول : "نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا، فنظام الدين بالمعرفة والعبادة، لا يتوصل إليهما إلا بصحة البدن، وبقاء الحياة، وسلامة قدر الحاجات من الكسوة والمسكن والأقوات والأمن، فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية. فنظام الدنيا شرط لنظام الدين" ([1]).

والقاعدة الفقهية تقول " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" , وعليه فإن رأت الجماعة الإسلامية أن المسلمين في مكان ما في حاجة ضرورية إلى توفير مستلزمات الحياة من حفر آبار وبناء مدارس بجانب المساجد فكلها واجبة.

ولا أعرف كيف يحصر البعض العمل الإسلامي في توفير العلماء فقط, ويشهد التاريخ للمسلمين السبق في إنتشار مؤسسات الإغاثة والعناية والمستشفيات المجانية, حيث لم يقتصر دور المسلمين في توفير الأطباء والأسِرة والأدوية, بل تعدت إلى رعاية المرضى بعد الشفاء والخروج من المستشفى. وإذا كان قول الله تعالى:" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" (التوبة: 60) قد أغلقت باب الاجتهاد في مجال الزيادة على الأصناف الثمانية, إلا أنها لم تغلق الباب أمام الاجتهاد في كيفية الصرف والتوزيع.

ولا اعرف على ما يستند إليه قول هؤلاء المغرضين, على اعتبار كل الأعمال الخيرية الضرورية للدين والدنيا تدخلاً من الجماعات الإسلامية الكويتية فيما لا يعنيها ؟ خاصة وأنه يرى كيف أن الأديان التي نعتبرها نحن باطلة تسيطر منفردة في عصر العولمة بأهم أسسها من اتصالات وإعلام وفضائيات وانترنت, وتجعل أولى رسائلها تجميل عقيدتها الباطلة في العيون, ومحاولة نشرها ؟

إن المسلمين أدركوا أهمية الوجوه العديدة لعمل الخير, فيذكر د. محمد عثمان شبير, أن الأوقاف الإسلامية شملت المساجد والحوانيت والأراضي، والخانات, ودور العلم، والمدارس، والمستشفيات، والأوقاف على المقابر، والأوقاف للقرض الحسن، ووقف البيوت الخاصة للفقراء، يسكنها من لا يجد ما يشتري به داراً أو يستأجرها، والسقايات، والمطاعم الشعبية التي يفرق فيها الطعام للفقراء والمحتاجين : كتكية السلطان سليم، والشيخ محيي الدين بدمشق، وتكية الحرم الإبراهيمي بالخليل، ووقف بيوت للحجاج بمكة ينزلونها حين يأتون إلى الحج، ووقف الآبار في الفلوات لسقاية المسافرين والزروع والماشية، ووقف المتاع المنقول، لا سيما ما يتعلق منه بالحرب: كالخيول، والكراع، وآلات الحرب، ووقف عقارات وأراض زراعية، يصرف ريعها للمجاهدين في سبيل الله، لا سيما عندما تعجز الدولة عن الإنفاق على كل أفراده، ووقف ما يكفي لإصلاح القناطر والجسور، وكثير من الأوقاف كان يصرف ريعه على اللقطاء واليتامى والمقعدين والعجزة والعميان والمجذومين ليعيشوا فيها ويجدوا فيها السكن والغذاء، واللباس والتعليم، والمعالجة. بل أن الوقف شمل ما حبس ريعه لتزويج الشباب والشابات الذين تضيق أيديهم أو أيدي أولياء أمورهم عن نفقات الزواج والمهر. وشمل من حليب وسكر، حتى لقد جعل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله في أحد أبواب القلعة بدمشق، ميزاباً يسيل منه الحليب، وميزابا يسيل منه الماء المذاب فيه السكر والحليب"([2]).
[1] الأمام أبي حامد الغزالي، "الاقتصاد في الاعتقاد، (القاهرة: مطبعة صبيح)، بلا تاريخ، ص 135.
[2] د. محمد عثمان شبير، بحث "مبدأ التمليك ومدى اعتباره في صرف الزكاة" ، مجلة "الشريعة والدراسات الإسلامية"، السنة التاسعة، العدد الثاني والعشرون، مايو 1994م. نقلاً عن: رحلة ابن بطوطه، ص 122، من روائع حضارتنا للسباعي ص 151.

الاثنين، 2 مارس 2009

هل كلهم على حق ... نعم !



جميل أن يعشق العامل أو العالِِم (بكسر اللام) تخصصه ...
والأجمل في نظري أن يعتقد المرء أن على تخصصه يتوقف تقدم الأمة ورخاءها وبروزها على كافة الأمم الأخرى! لماذا ؟

لأن هذا المتخصص العاشق قد اكتشف (ربما بمفرده) في تخصصه منهجاً وطريقة أداء رائعة، لا تجعل منه شخصاً متميزاً في قومه فقط، بل تجعل من أمته أمة متميزة تفوق كل الأمم أيضاً.
وهو على استعداد إثبات ذلك بدراسات مُحكمة، لا مجرد شعارات، كما هي عند السياسيين يحسبه الظمآن ماء، وهي في الحقيقة مجرد سراب!

مفهوم الأمة
في هذا الخصوص اعتدنا أن نسمع من علمائنا الأفاضل المتخصصين في الفقه والشريعة الإسلامية "أن أول أخطاء الأمة أننا فقدنا مفهوم الأمة، وقد قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" [1]. ومثل ذلك يقال في مسألة العدالة والحكم والتغريب والرباط في سبيل الله ... الخ

سلاح الخطاب
ومن أمثلة ذلك ما كتبه د.عبد السلام المسدي[2]، في كتابه "السياسة وسلطة اللغة: "أن العرب لن يفيدوا كثيرا من امتلاك السلاح، ولا من الانفراد بالثروة، ولا من التطلع الى توظيف الطاقة الذرية سلميا، ما لم يمتلكوا سلاح الخطاب، لن يحقق العرب انتصارا سياسيا في الساحة الدولية إلا اذا أتقنوا صناعة االخطاب وتمرسوا بآليات تفكيك الخطاب وتفوقوا في مهارات توضيب الخطاب"

والأمثلة كثيرة تبدأ من ما هو بسيط في نظرنا، مثل هاوي جمع عملات قديمة لبلده، يرى أن تلك العملات تؤرخ لمراحل هامة من تاريخ بلاده، ومن خلال هوايته تم دعوته إلى أكثر من معرض دولي لعرض ما جمعه... وهكذا

من الطريف في هذا الصدد، من أورده فيلم Shaolin Soccer . ففي بداية الفيلم نشاهد بعض المشاكل التي يعاني منها سكان هونج كونج، فها هي حافلة الركاب العامة لا تقف في المحطة وتترك الركاب الذين يشاورون لها ويفشلون في اللحاق بها، وها هي آنسة تحمل كتباً وأشياء أخرى ولا تنتبه لقشرة الموز التي تنزلق بها فتسقط أرضاً وتتطاير ما تحمله هنا وهناك، كما يقف سائق شاحنة عاجزاً أمام صندوق ضخم يجب وضعه فوق تلال الصناديق التي تحملها شاحنته، ويرى البطل (سينغ Sing)، ويعمل حمالاً، أن لعبة الكنغو فو ممكن أن تحل جميع تلك المشاكل وغيرها التي تواجه الإنسان في الحياة. ولكنه لم يستطع أن يقنع أحداً بذلك في البداية، ولذلك يعيش في فقر مدقع. وبعد نجاحه في تطبيق مهارات الكنغو فو على كرة القدم، تقبل الجماهير على اللعبة، فيستطيعون، في نهاية الفيلم، اللحاق بحافلة الركاب التي لا تقف في المحطة بالقفز الناجح من الشبابيك والدور الثاني للحافلة، كما تستطيع الآنسة التي تحمل كتباً أن تحفظ توازنها عندما تطأ قشرة الموز، وهكذا يستطيع سائق الشاحنة من وضع الصندوق الضخم فوق تلال الصناديق بشاحنته بضربة كنغو فو بإحدى رجليه. وبذلك استطاع سنغ أن يثبت نظريته في قدرة الكنغو فو في حل جميع مشاكل الحياة

هل كلهم على حق؟
نعم، أنا أرى أن كلهم على حق.
فمقياس تقدم الأمة العظيمة لا يتوقف عندي على جودة إنتاج سلعة أو منتج واحد. والأدلة على ذلك كثيرة.

الإنتاج الياباني مثلاً، حاز على ثقة المستهلك سواء في السيارات أو الأجهزة الكهربائية أو الكمبيوترات وحتى أطباق السُفرة!

كذلك الإنتاج الأمريكي بالإضافة إلى الثقة التي يحوزها في صناعة الأسلحة، فالكل يثق في نتائج علماء النفس الأمريكيين، وعلماء الأحياء الأمريكيين، وعلماء الصحة والدواء الأمريكيين، وتجارب علماء الفضاء الأمريكيين، حتى أن بحثاً أو مقالة في العربية ليس فيه مرجع أمريكي لا يعتبر جديراً بالثقة! هذا بالإضافة إلى الأكلات الأمريكية كنتاكي ... هاردز ... ماكدونالد ...
ويقول ناجي عنايت في هذا الصدد: عندما نتكلم عن عصر المعلومات والمجتمع الذي يسوده نتكلم عن مجتمع يعتمد على التكنولوجيات المتطورة للمعلومات في إقامة: زراعة جديدة، وصناعة جديدة، وممارسات سياسية جديدة، واقتصاد جديد، ونظم إدارية جديدة، ونظم تعليم جديدة. وأيضاً نظم ثقافية جديدة تختلف عن النظم الثقافية التي سادت عصري الزراعة والصناعة [3].

وكل الكتاب – مثلي - يعتقدون أن على كتاباتهم يتوقف تقدم الأمة ورخاؤها وبروزها على كافة الأمم الأخرى! وإلا لماذا نكتب؟
[1] د. محمد سيد طنطاوي، الخيرية، العدد 94، رمضان 1418 هـ، ص 40.
[2] أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية وعضو المجامع العلمية للغة العربية في كل من تونس ودمشق وطرابلس وبغداد، وعمل من قبل وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي في تونس، وسفيرا لبلاده لدى جامعة الدول العربية.
[3] الصحافي ناجي عنايت، ندوة "آفاق العمل العربي المشترك"، الأنباء ، الأربعاء 1 /4/1998.

(الصورة من الفيلم المذكور)

هل كلهم على حق ... نعم !


جميل أن يعشق العامل أو العالِِم (بكسر اللام) تخصصه ...
والأجمل في نظري أن يعتقد المرء أن على تخصصه يتوقف تقدم الأمة ورخاءها وبروزها على كافة الأمم الأخرى! لماذا ؟

لأن هذا المتخصص العاشق قد اكتشف (ربما بمفرده) في تخصصه منهجاً وطريقة أداء رائعة، لا تجعل منه شخصاً متميزاً في قومه فقط، بل تجعل من أمته أمة متميزة تفوق كل الأمم أيضاً.
وهو على استعداد إثبات ذلك بدراسات مُحكمة، لا مجرد شعارات، كما هي عند السياسيين يحسبه الظمآن ماء، وهي في الحقيقة مجرد سراب!

مفهوم الأمة
في هذا الخصوص اعتدنا أن نسمع من علمائنا الأفاضل المتخصصين في الفقه والشريعة الإسلامية "أن أول أخطاء الأمة أننا فقدنا مفهوم الأمة، وقد قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" [1]. ومثل ذلك يقال في مسألة العدالة والحكم والتغريب والرباط في سبيل الله ... الخ

سلاح الخطاب
ومن أمثلة ذلك ما كتبه د.عبد السلام المسدي[2]، في كتابه "السياسة وسلطة اللغة: "أن العرب لن يفيدوا كثيرا من امتلاك السلاح، ولا من الانفراد بالثروة، ولا من التطلع الى توظيف الطاقة الذرية سلميا، ما لم يمتلكوا سلاح الخطاب، لن يحقق العرب انتصارا سياسيا في الساحة الدولية إلا اذا أتقنوا صناعة االخطاب وتمرسوا بآليات تفكيك الخطاب وتفوقوا في مهارات توضيب الخطاب"

والأمثلة كثيرة تبدأ من ما هو بسيط في نظرنا، مثل هاوي جمع عملات قديمة لبلده، يرى أن تلك العملات تؤرخ لمراحل هامة من تاريخ بلاده، ومن خلال هوايته تم دعوته إلى أكثر من معرض دولي لعرض ما جمعه... وهكذا

من الطريف في هذا الصدد، من أورده فيلم Shaolin Soccer . ففي بداية الفيلم نشاهد بعض المشاكل التي يعاني منها سكان هونج كونج، فها هي حافلة الركاب العامة لا تقف في المحطة وتترك الركاب الذين يشاورون لها ويفشلون في اللحاق بها، وها هي آنسة تحمل كتباً وأشياء أخرى ولا تنتبه لقشرة الموز التي تنزلق بها فتسقط أرضاً وتتطاير ما تحمله هنا وهناك، كما يقف سائق شاحنة عاجزاً أمام صندوق ضخم يجب وضعه فوق تلال الصناديق التي تحملها شاحنته، ويرى البطل (سينغ Sing)، ويعمل حمالاً، أن لعبة الكنغو فو ممكن أن تحل جميع تلك المشاكل وغيرها التي تواجه الإنسان في الحياة. ولكنه لم يستطع أن يقنع أحداً بذلك في البداية، ولذلك يعيش في فقر مدقع. وبعد نجاحه في تطبيق مهارات الكنغو فو على كرة القدم، تقبل الجماهير على اللعبة، فيستطيعون، في نهاية الفيلم، اللحاق بحافلة الركاب التي لا تقف في المحطة بالقفز الناجح من الشبابيك والدور الثاني للحافلة، كما تستطيع الآنسة التي تحمل كتباً أن تحفظ توازنها عندما تطأ قشرة الموز، وهكذا يستطيع سائق الشاحنة من وضع الصندوق الضخم فوق تلال الصناديق بشاحنته بضربة كنغو فو بإحدى رجليه. وبذلك استطاع سنغ أن يثبت نظريته في قدرة الكنغو فو في حل جميع مشاكل الحياة

هل كلهم على حق؟
نعم، أنا أرى أن كلهم على حق.
فمقياس تقدم الأمة العظيمة لا يتوقف عندي على جودة إنتاج سلعة أو منتج واحد. والأدلة على ذلك كثيرة.

الإنتاج الياباني مثلاً، حاز على ثقة المستهلك سواء في السيارات أو الأجهزة الكهربائية أو الكمبيوترات وحتى أطباق السُفرة!

كذلك الإنتاج الأمريكي بالإضافة إلى الثقة التي يحوزها في صناعة الأسلحة، فالكل يثق في نتائج علماء النفس الأمريكيين، وعلماء الأحياء الأمريكيين، وعلماء الصحة والدواء الأمريكيين، وتجارب علماء الفضاء الأمريكيين، حتى أن بحثاً أو مقالة في العربية ليس فيه مرجع أمريكي لا يعتبر جديراً بالثقة! هذا بالإضافة إلى الأكلات الأمريكية كنتاكي ... هاردز ... ماكدونالد ...

وكل الكتاب – مثلي - يعتقدون أن على كتاباتهم يتوقف تقدم الأمة ورخاؤها وبروزها على كافة الأمم الأخرى! وإلا لماذا نكتب؟
[1] د. محمد سيد طنطاوي، الخيرية، العدد 94، رمضان 1418 هـ، ص 40.
[2] أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية وعضو المجامع العلمية للغة العربية في كل من تونس ودمشق وطرابلس وبغداد، وعمل من قبل وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي في تونس، وسفيرا لبلاده لدى جامعة الدول العربية.

الاثنين، 26 يناير 2009

الغناء والمسرح والرياضة في الإسلام



في الرياضة

قال فضيلة الشيخ الشعراوي :" اللعب شيء جيد، ولكن لا يكون لهوا، لأن اللعب شغل غير مله عن مطلوب، انما اللهو شغل مله عن المطلوب".(1)

في الغناء والموسيقى

قال فضيلة الشيخ عطيه صقر - عضو مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر الشريف: "الموسيقى شيء والغناء شيء آخر، فقد يجتمعان وقد يفترقان. وخلاف العلماء في الحكم فيهما من قدم الزمان. وباختصار أقول أن هذين الأمرين ليسا محرمين لذاتهما، بل لما يعرض لهما . فان كان الغناء أو النغم لتحليل الحرام او طعن في مقدس أو صاحب واحدا منهما محرم كشرب الخمر أو رقص وكشف عورات أو كان أحدهما ملهيا عن واجب فهو حرام. أما ان خلا من كل ذلك فهو مباح. ويكون مكروها اذا اتخذ عادة أو هواية تشغل وقتا كبيرا ويستوي في هذا الحكم العازف والمغني والسامع . أما تدريس هذه الفنون فهي كتدريس أى علم والحكم عليها يكون للأثر المترتب عليه. ومجال استخدامه والنية الباعثة عليه.

قال فضيلة الشيخ محمد الغزالي:" الغناء كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح. فالرسول(ص) كان يردد الكلمات في الأغنيات اللطيفة التي يتغنى بها المجاهدون لتعينهم على الثبات والشجاعة، مثل شعر الذين كانوا يحفرون الخندق أو يسيرون مع الرسول في المعارك فيقولون:
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينـا
فانزلن سكينة علينـــــــا ... وثبت الأقدام ان لاقينــا
المشركون قد بغوا علينـــا ... اذا أرادو فتنة أبينـــا
وكان الرسول(ص) يرد في الآخر"أبينا. أبينا" اذا كنت تريد أن تكون معتدلا قل اذا كان الغناء معيبا فلا تسمع، أما اذا كان حسنا فلا شيء فيه. ولنأخذ مثلا الموسيقى العسكرية التي تنظم خطوات المشاة، كما تشجع الخيل والابل على المشي بالصحراء - كيف يقول أنها حرام .. وهناك موسيقى تصويرية تصور زقزقة العصافير، وقد استمعت لموسيقى روسية تصور هدير أجنحة النحل وهي تطير وهذا حلال في الطبيعة، فلماذا يكون نقله الى الأذن بالآلات حراما؟ التحريم يحتاج الى النص، فأين النص؟ التحريم الوارد في النص يتعلق بالمجالس العابثة بالأغاني اللاهية. (2)
وقال الشيخ الشعراوي:"قالوا للنبي (ص) أن فلانة ستتزوج. فقال : هل بعثتم لها من يغني؟ وحدث أن كانت البنات تغني في مناسبة وأحتج عمر بن الخطاب.. فقال له النبي(ص) دعهم يا عمر .. فاننا في يوم عيد. وعليه فالاستمتاع الذي أقصده من أجل قتل الوقت يجب أن يكون تدريبا على شيء يفيد فيما بعد.(3)

وقال فضيلة الشيخ/ عبدالله المشد - رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف: أنه قد ورد في الأثر الشريف: "روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فان القلوب اذا كلت عميت واذا عميت لم تفقه شيئا". وانما تباح الأغاني بشرط الا تؤدي الى فعل محرم أو ترك واجب. ولا يجوز أن يحكم أحد بكفر مسلم الا اذا ثبت كفره بدليل قطعي الثبوت او اجماع وليس بما يفيد الظن والاحتمال. ومن هنا نستطيع أن نقرر أن مؤلف أغنية " من غير ليه" أو مغنيها أو مرددها لا ينطبق عليه الحرمة أو الكفر لن خلط المديح بالغزل لا حرمة فيه. ماذا في كلام الأغنية التي تقول: "جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا رايحين فيه ولا عاوزين ايه" ان لذلك نظيرا وهو قول عمر الخيام الشاعر الصوفي الذي اطلق عليه سلطان العاشقين فيما ترجمه له الشاعر الراحل أحمد رامي:
لبست ثوب العيش لم استشر ... وحرت فيه بين شتى الفكـــــر
وسوف أنضو الثوب عنــــي ... ولم ادرك لماذا جئت اين المفر
واستعمال الشك للوصول الى الحقيقة هو مذهب يراه الامام الغزالي. وأخيرا لا يعد المسلم منكرا بأن الله خلقه لعبادته مادام يعمل لخير البشرية وازدهار الحياة .. فهل جاء أحد من علماء الاسلام السابقين وقضى بكفر أحد ممن استشهدنا بأقوالهم وهي لم تخرج عن معاني الأغنية. والاجابة أننا لم نجد من العلماء أحدا قد حكم بكفر من قال بمثل الأغنية ولكننا للاسف وجدنا ذلك من قوم قل علمهم بالاسلام ادعوا غرورا أنهم أعلم العلماء وأنهم المدافعون عن الاسلام والعارفون بأدلته وأحكامه وقواعده وأصوله.

وقال الدكتور سيد طنطاوي مفتي الديار المصرية:
"اذا كان الغناء بألفاظ سليمة وأداء حسن لا يثير الغرائز، ويحتوي على المعاني الكريمة التي تغرس في النفوس قيم العقيدة الدينية الصحيحة ومكارم الاخلاق، فلا بأس به. أما اذا كان الغناء مخالفا لكل هذا.. فهو محرم من قبل الأديان السماوية جميعها.

في المسرح

بعد مشاهدته مسرحية "دماء على ستار الكعبة" قال الشيخ الشعراوي: "هكذا يجب أن يكون الفن .. يحمل كلمة ورسالة. أنني معجب بأداء اللغة العربية الفصحى في هذه المسرحية. أنني أشجع وأرحب بالفن الجاد الذي يشارك في بناء عقيدة سليمة وانسان متوازن عقلا ووجدانا. ان المسرح الجاد مطلوب في كل العصور والأزمنة.

في الرقص
قال الشيخ الشعراوي: "الرقص ليس فنا.. انه اهتزازات في الجسم بشكل خاص حسب الايقاع المسموع الأمر الذي يثير الغرائز"

في التمثيل
قال الشيخ الشعراوي:"كل ما صح واقعا يصلح تمثيلا . بمعني كل ما يحل واقعا يحل تمثيلا. فلا يحل مشاهدة سيدة متزوجة بالفعل ولها أولاد في الحقيقة وهم يعقدون لها على شخص آخر وتنام في حضنه. أما من يسدي لابنه نصيحة.. أو يوجه جماعة الى توجيه طيب.. أو لص سرق ثم جاءات العدالة ,القت القبض عليه. فهي حلال.

التليفزيون
في استعماله للتليفزيون، قال الشيخ الشعراوي:" هنا استعملت الآلة في الحسن. التليفزيون نفسه ليس حراما.. القضية في توجيه الطاقة.. والانسان يحاسب على توجيه طاقته..

الفن والغناء
شمل التحريف الكلام عن الفن والغناء، والمبدأ الذي تدين به الجماعة، أن مثل هذه الفرعيات موضع خلاف، ولا يجوز أن ننشغل بها عن الأصول المجمع عليها وهي ضرورة اقامة الحكم الاسلامي والدولة الاسلامية أولا وقبل كل شيء. والمسائل الفرعية، تترك لكل شخص وما يطمئن اليه قلبه في هذا الخصوص.
المستشار محمد المأمون الهضيبي
عضو مجلس الشعب واحد قيادات الاخوان المسلمين
المجتمع - 5 ديسمبر 1989

(1) من الألف الى الياء - طارق حبيب
(2) الأنباء الكويتية 10/9/1989 ص 8
(3) لقاء صحفي أجراه: محمد تبارك - الأخبار
(الصورة من مسرحية ريا وسكينة)

الأربعاء، 14 يناير 2009

مرض اسمه عدم الطاعة


صدفة قد تتكرر عند الكثيرين، وهو قراءة رأيين متعارضين في موضوع واحد لكاتبين ربما لم يقصد التالي دحض آراء المتقدم عليه، وربما لم يقرأ كتابه أصلا.

الموضوع هو الطاعة
والكتاب الأول هو "الإسلام عقيدة وشريعة" للإمام الأكبر محمود شلتوت (1893م - 1963م)، بدون تاريخ.
والكتاب الثاني هو كتاب العربي "خطاب إلى العقل العربي - مرض اسمه الطاعة" للدكتور فؤاد زكريا - 15 أكتوبر 1987 (تذكروا هذا التاريخ) .

طاعة الوالدين دليل تخلف ؟!
نبدأ بالكتاب الأخير، حيث يرى د. فؤاد زكريا أن الطاعة تأتي على رأس الأسباب المعنوية لتخلفنا وتراجعنا واستسلامنا، بل هي رذيلتنا الأولى، وفيها تتبلور سائر عيوبنا ونقائصنا. ويورد صورا من الطاعة مثل:
"طاعة الوالدين" . و "طاعة المرأة لزوجها" .
ويعتبرهما مما تفرضه التقاليد الاجتماعية؟!

أشكال أخرى من الطاعة:
ثم يضيف أشكالا تندرج تحت مفهوم الطاعة مثل :
- إجابة التلاميذ لامتحانات أساتذتهم حرفيا كما في الكتاب المقرر
- وطاعة المرؤوس لرئيسه
- ثم طاعة المحكوم للحاكم
والدكتور زكريا لا يرى ضرورة للطاعة إلا في النظام العسكري، حيث ثبت "فعاليته في المهمة الأساسية التي تضطلع بها الجيوش وهى القتال في سبيل الوطن". ويستدل على هذه الفعالية وحقيقتها على "أن معظم جيوش العالم كانت وما تزال تأخذ به"؟!

المتمردون والإنجازات :
ويخلص من ذلك كله، أن أعظم إنجازات الإنسان لم تتحقق إلا على أيدي أولئك الذين رفضوا أن يكونوا مطيعين ؟!

مقدمة الرد:
ودارس الفلسفة، والدكتور فؤاد زكريا أستاذ بل من أكبر أساتذتها، لا يستطيع أن يتحرر من قيود الأفلاطونية (1) التي تحاول أن تصيغ مبدءا أو قانونا عاما يكون صالحا للتطبيق أو لتفسير كل شيء في الوجود .. الفكر .. الواقع .. الروح .. المادة، ثم يجلس مرتاحا، لأنه هكذا قد نظم الكون كله؟!

تمرد رجعي:
قد يبدو للبعض أن رفض القواعد الاجتماعية فكرة تقدمية، أو أنها من إبداع د.فؤاد زكريا. ولهؤلاء البعض نسوق لهم ما كان يعتقده السفسطائيين أمثال بروتاجوراس وتراسيماخوس وغيرهم ( من أكثر من 500 سنة ق.م) " أن المدينة ليست نظاما طبيعيا، وإنما هي نظام صناعي. ويترتب على ذلك أن القوانين والقيم والعادات أمور تعود إلى الاصطلاحات البشرية فحسب" (2). ويعني ذلك أننا نستطيع أن نغير الأوضاع والعلاقات في المجتمع وقتما نريد، وأنه ليست هناك قيم ثابتة.
وهذه النظرة (القديمة) واضحة في مقالة د. فؤاد زكريا.

1) طاعة المحكوم للحاكم:
إن قارئ مقالة د. زكريا يستطيع، وبسهولة، أن يدرك أن وراء ذكر أشكال عديدة من الطاعات هدفه هو رفض طاعة المحكوم للحاكم. وإذا كنت أريد في هذه المقالة أن أرد على هذه الجزئية، إلا أن هذا لا يمنع من الرد على الأشكال الأخرى في ثنايا المقالة.
يقول فضيلة الشيخ محمود شلتوت في شئون الدولة(الكتاب الأول المذكور أعلاه) عن القيادة في الحياة: "أن شئون الأمة متعددة بتعدد عناصر الحياة، وأن الله قد وزع الاستعداد الإدراكي على الأفراد حسب تنوع الشئون، وصار لكل شأن بهذا التوزيع رجال، هم أهل معرفته، ومعرفة ما يجب أن يكون عليه، ولكل جانب رجال عرفوا فيه بنضج الآراء وعظيم الآثار وطول الخبرة والمران" (3)
كما يقول في ضرورة وجود رئيس على أي جماعة، ضرورة اجتماعية، يفرضها التجمع الإنساني:" ليس من الحكمة في نظر شرع أو وضع أن يترك مجتمع دون أن يعرف له رئيس يرجع إليه في الرأي، عند الاختلاف، وفي مهام الشئون. فذا تصور مجتمع على هذا النحو، ليس له محور يدور حوله ويعتصم به، فهو مجتمع مآله حتما إلى السقوط والانحلال. مجتمع صائر لا محالة إلى الفوضى والاضطراب بالتنازع والتضارب وتناقض الرغبات. وبذلك ينقلب المجتمع رأسا على عقب، تتفكك وحداته، وتتناثر لبناته، وتضيع الثمرات التي عقدت به، وأنشئ سبيلا للحصول عليها."
وهو في هذا يتفق مع السنة النبوية. قال رسول الله (ص) :" لا يحل لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض، إلا أمروا عليهم أحدهم".
فوجود جماعة، وعلى الجماعة حاكم، ضرورة حتمية. ولك أن تتصور أن دولة مثل الصين (وعدد سكانه يربو على المليار ونصف) تريد أن تعقد اتفاقية مع دولة أخرى، وليس عليها رئيس، بالله من يستطيع فردا كان أو جماعة أن يعقد مثل هذا الاتفاق مع المليار من السكان؟!
نحن عرب ونعيش في منطقة عربية، ولم أقرأ يوما أن مفكرا عربيا أو مسلما قال بالطاعة العمياء للحاكم، كما أراد د. زكريا أن يلصقها بنا نحن العرب.
الدين الإسلامي، وهو روح هذه الأمة، يقرر أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. سواء كان هذا المخلوق أبا أو أما أو زوجا أو مدرسا أو حاكما. قال تعالى في سورة النساء :
" يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".
والمعنى واضح في أن طاعة أولي الأمر مرتبطة بطاعتهم لله ورسوله.

ونرى رفض الطاعة العمياء في فكرنا الإسلامي فيما قالته المعتزلة من أن "الأمة لا يجوز عليها الخطأ .. والإمام إذا أخطأ، فعلماء الأمة يأخذون على يده لأنا لا نجوز على جميعهم الخطأ."
وإذا كان السلطان مفسدا وكل الناس ليسوا خلقاء باحتمال الإقبال والرفعة كما يقول أرسطو. كما أن بعض الناس ينظر إلى الحاكم نظرة متوجسة دائما ويبتعدون عنها.
فالمفكرون والزعماء العرب لم يفتهم هذا. كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري قائلا:
"أما بعد، فان للناس نفرة عن سلطانهم، فأعوذ بالله أن تدركني وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة، أقم الحدود ولو ساعة من نهار".

2) طاعة التلميذ لأستاذه:
وفي تفسير معنى طاعة التلميذ لمدرسه، قال جابر بن حيان (721 - 815 م): ".. أما ما يجب للأستاذ على التلميذ، فهو أن يكون التلميذ لينا، متقبلا لجميع أقواله من جميع جوانبه، لا يعترض في أمر من الأمور، فان ذخائر الأستاذ العلم، ولا يظهرها للتلميذ إلا عند السكون إليه. ولست أريد بطاعة التلميذ للأستاذ أن تكون طاعة في شئون الحياة الجارية، بل أريدها طاعة في قبول تعلم الدرس وترك التعامل".

عبارات واضحة ومفهومة لجابر بن حيان، ولا تخرج عما شرعه الدين الإسلامي.

3) حقيقة المتمردين والإنجازات:
نأت إلى مقولة د. زكريا الأخيرة وهى: "أكاد أقول أن أعظم إنجازات الإنسان لم تتحقق إلا على أيدي أولئك الذين رفضوا أن يكونوا مطيعين".
هذه المقولة ليست مطلقة، كما أن قليلا من العلماء يدعي أنه البداية وكلنا يعلم أن علم الفيزياء أكثر العلوم التي استقطبت أعظم إنجازات الإنسان. ومع ذلك نلاحظ كما تقول د. نازلي إسماعيل :
"أن النسق العلمي في هذا العلم، قد تكون بالجمع بين القوانين العلمية. مثال ذلك. أن جاليليو اكتشف قانون سقوط الأجسام والسرعة الملازمة له. وكان ذلك بالنسبة للأجسام الفيزيائية. ثم اكتشف كبلر من بعده، حركات الكواكب وصاغها في ثلاث قوانين. وبعد ذلك، جاء نيوتن ليجمع بين قوانين جاليليو وكبلر، وليضيف إليها، قانون الجاذبية ليفسر بها حركة المد والجذر " (4)
وكذلك يلاحظ "أن نظرية النسبية تعتبر أعم من نظرية الجاذبية، لأنها لا تنطبق على الأجسام الجامدة فقط، إنما تنطبق أيضا على الضوء والطاقة بكافة أشكالها. ولقد تضمنت نظرية النسبية نظريات أخرى غير الجاذبية، مثل الكهرمغناطيسية ونظريات أخرى حديثة في نظام الفلك. وبدون هذه النظريات المختلفة أو المقدمات الضرورية، ما كان من الممكن ظهور نظرية النسبية"(5)
هذا "وفي كل يوم يكتشف العلماء في معاملهم ظواهر جديدة، ولكن لا يستطيع عالم واحد بمفرده أن ينشئ علما، كما يضع الفيلسوف فلسفته الخاصة. إن كل نظرية علمية، تستند إلى نظريات سابقة. فمثلا وضع مكسويل قوانين الكهرباء ابتداء من قوانين أمبير في الالكتروديناميكا، كما أن قوانين أمبير كانت بدورها تستند إلى قوانين أورشتد"(6).

الخاتمة
أفكار سوداء:

أتساءل، وأرى أن من حقي أن أتساءل كانسان عربي:
إلى ماذا يهدف مفكر عربي مثل د. زكريا بمقالته هذه؟
هل يهدف إلى خير هذه الأمة؟ أم إلى الشر؟
هل يهدف إلى انتشال هذه الأمة من سباتها؟ أم يهدف إلى إغراقها وأن يردي بها إلى المهالك؟
إن تاريخ الفكر الإنساني يحمل الأفكار الخيرة، كما يحمل الأفكار الشريرة. يحمل الأفكار التي قبلتها الإنسانية، ويحمل كذلك الأفكار المرفوضة. فإلى أي فريق تنتمي أفكار د. زكريا ؟
أشك في أن يكون التاريخ سجل في عصر من العصور السابقة أنه قد أعتدي فيها على حقوق الوالدين أو الزوج أو الأستاذ أو الحاكم أكثر مما اعتدى عليها في عصرنا هذا، وفي المنطقة إلى نعيش فيها.
لا عليك إلا أن تقرأ صفحات الجرائم في الصحف، لترى الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها الأبناء ضد أحد الوالدين أو ضد كليهما معا.
لا عليك إلا أن تشاهد المسرحيات التي تعرض علينا في التليفزيون، لترى وتسمع عبارات الاستهزاء من تلاميذ لأستاذهم، حتى أنه يؤرخ لبداية سقوط هيبة المدرس وشغب التلاميذ في مصر بمسرحية علي سالم الشهيرة "مدرسة المشاغبين".
لا عليك إلا أن ترجع إلى قوانين الأحوال الشخصية في مصر والتي أطلق عليها الكاتب الساخر أحمد رجب بقانون "الأهوال الشخصية"، لترى كيف اعتدى على حقوق الزوج والأب. علما أن العلماء كانوا إلى وقت قريب يستدلون بأن الدولة تطبق الشريعة الإسلامية بدليل واحد ووحيد هو تطبيق الأحكام الشرعية في قانون الأحوال الشخصية.
وكمواطن مصري أليس من حقي أن أربط بين مقالة د. زكريا في أكتوبر 1987 وبين سلسلة قتل الأزواج في الأعوام التالية على هذا التاريخ ؟! (راجع الملف الكامل في مجلة سيدتي بعد هذا التاريخ).
وإذا كان تاريخ الفكر الإنساني يدلنا كذلك، أن المفكر يعبر عن عصره، أو هو نتاج عصره وبيئته. فأترك للقارئ وذكاؤه حرية أن يضع أفكار د. زكريا ممثلا لأي بيئة موجودة في عصرنا هذا وفي منطقتنا.

الرأي في الإسلام:
وأخيرا، لنا أن نتساءل :
هل آراء وأفكار د. زكريا - بعد الذي قرأناه وبالمعيار الإسلامي - يعتبر فكرا أو رأيا؟
يقول د. عبد الصبور مرزوق :" أن الحديث عن الرأي من المنظور الإسلامي يساوي الحديث عن الحياة، وحق الإنسان في الحرية يساوي حقه في الوجود. وإذا كان بعض الفلاسفة يقولون في شعاراتهم "أنت تفكر إذن أنت موجود". فأنا كمفكر مسلم أقول "أنت صاحب رأى إذن فأنت موجود .. وإذا كنت لا رأى لك، فوجودك وعدمه سواء".
والرأي في الإسلام يجب أن يكون منضبطا مع معايير الحق والعدل، بأن يكون بعيدا عن الباطل أو الظلم.. وإذا كان الرأي خارجا على ما أمر به الإسلام فليس برأي."(7).

المراجع:
(1) يقول د. حسن عبد الحميد عن مقولة أن الفلسفة بناء نسقي متكامل أنه يعني "أن تكون فلسفة الفيلسوف عبارة عن نظرة متكاملة يفسر بها كل ما يدور حوله من أمور، سواء تعلقت هذه الأمور بالفرد أو المجتمع أو الطبيعة. ويعزى إلى أفلاطون هذا الطابع لذي تطبعت به الفلسفة بعده" (من : مدخل إلى الفلسفة 1977 - ص 106 ).
(2) د. فيصل بدير عون - قراءات في الفلسفة السياسية - ص 87 .
(3) الإمام الأكبر محمود شلتوت - الإسلام عقيدة وشريعة - ص 443.
(4) د. نازلي إسماعيل حسين - التفكير العملي 1983 - ص 77
(5) نفس المصدر السابق ص 78
(6) نفس المصدر السابق ص 92
(7) مجلة "اللواء الإسلامي" - العدد 164 - السنة الرابعة - 14 مارس 1985 .
كذلك نعرف أن أرسطو رفض رأى أفلاطون القائل بإزالة الأسرة من مدينته الفاضلة للمحافظة على وحدة الدولة، وقال بأن الإنسان مدني بطبعه، "أى أنه يميل إلى الجماعة والى تكوين الأسرة كنظام طبيعي فطري وليس نظاما مصطنعا "(2 أعلاه).