الأحد، 18 ديسمبر 2016

في بيتنا انقلاب (5)



الفصل الثالث


 (قاعة محكمة .. منصة في وسط المسرح الخلفي .. يظهر في منتصفه مدخل صغير لدخول القضاة.. تقف بجانبه حاجبة، تعلن دخول القضاة، وينتصب من في القاعة وقوفاً عند دخول أول القضاة.  تدخل القاضيات الجدد في زي جميل أصفر موحد، ويجلسن خلف المنصة.  وعلى يسار المسرح قفص يجلس فيه متهم تحرسه جندية).

رئيسة المحكمة:
(تشير إلى ممثلة الإدعاء) أقرئي قرار الاتهام !
ممثلة الإدعاء  :
أيتها السيدات الأفاضل .. نحن أمام أول قضية، المتهم فيها كاتب مشهور، استغل حرية الرأي التي كفلتها له زعيمة أمتنا، ليشير في مسرحيته الأخيرة " في بيتنا انقلاب" والتي تم مصادرتها  ما يستخلص منها أنه تحريض لقلب نظام الحكم .. ومؤيد لحركة التمرد الرجالي المحظور.. فهو يقول في المشهدالأخير بالنص على لسان إحدى الشخصيات "أنني ما دعوت المرأة للقيام بانقلاب،  إلا لأوقظ رجال دولتنا من سباتهم العميق".  والإدعاء يطلب من المحكمة عدم اتخاذ الرافة مع المتهم .. والحكم بالإعدام للخيانة العظمي.
رئيسة المحكمة:
(متجهة إلى المتهم) : الاسم
المتهم :
محمود الحكيم
رئيسة المحكمة:
تريد المحكمة أن تستمع إليك قبل الدفاع.  وهل أنت مذنب أم غير مذنب ؟
محمود :   
أنا غير مذنب. وسيتولى الدفاع عني تفنيد اتهامات ممثلة الإدعاء العام التي لا تقوم على أي أساس من الحقيقة أو الواقع.  وسأكتفي هنا بتوضيح ملابسات هذه القضية من وجهة نظري، لو سمحت المحكمة.

رئيسة المحكمة:            المحكمة سمحت لك ... اتفضل.
محمود          :   صحيح أنني بدأت حياتي كاتباً مدافعاً عن حقوق المرأة.  وأفكاري كانت سبباً في يقظة نساء بلادنا، والتي أوصلتكن إلى سدة الحكم على أنقاض حكم الرجل.  وبما أن حكم المرأة كان هدفاً لنساء دولتنا،  فإنه بالنسبة لي كان وسيلة لهدف أكبر وهو أن أجعل من رجالنا رجالاً حقيقيين، يستحقون عن جدارة احترام نساء دولتنا ( ضحك نسائي في القاعة).   فأنا لا أرى الكون من منظور الرجل فقط ، الذي لا يرى إلا آدم قبل خلق حواء والأرض.  ولا أراه من منظور المرأة فقط ، التي لا ترى إلا بداية حياة الإنسان على الأرض وحكم المرأة للبيت قبل الرجل.  إنما أرى العالم والكون وفيه أول منظر رائع، صورة حواء وهي تعتمد على ذراع آدم،  وآدم وهو يستند على حواء.  لا أرى العالم والكون إلا في تجدده وتوسعه المستمر على النمط الأول الطبيعي.
          إن على النساء وقد سدن الآن،  أن يكن موضوعيات وهن يهاجمن الرجال. ويجب ألا ينسين ما آل إليه مصير الرجال الآن، حقيقة الرجل المطلقة.  فهم على مر التاريخ صانعوا الحضارات، ومنهم فقط كان الأنبياء والحكماء،  ومنهم فقط كان قادة الثورات في العلوم الفيزيائية والكيميائية وغيرها …
          إن الجنس البشري – كما نعلم – نوعان ذكر وأنثى.  ونعلم أن الأنواع لا تندرج تحت جنس واحد إلا إذا كان فيهم قدر مشترك يجمعها.  ونعلم أن الجنس لا ينقسم إلى نوعين إلا إذا كان فيهما شئ مختلف يجعل هذا نوعاً وذاك نوع آخر.  ولولا وجود الشيء المختلف لما كان الجنس نوعان.

          صحيح أن الشكل والخلقة واحدة في أن للرجل رأس وللمرأة رأس وأجهزة متشابهة،  ولكن لكل منهما خصوصية بيولوجية.  فلا يستطيع نوع أخذ خصوصية النوع الآخر.  ويبدو ذلك واضحاً في المرأة.  مثلاً: إذا ساويت المرأة بالرجل، وأعطيت لها مجالات الرجل وبقيت مجالات التي لا يمكن للرجل أن يشاركها فيها مثل الحمل،  فأنا أحمل المرأة عبئاً فوق طاقتها، وأسبب لها متاعب أخرى.

          إن المطلب الحقيقي والذي لم يستطع أحد – رجلاً  كان أو امرأة – إلى الآن إجلائه بوضوح هو : لماذا لجأت المرأة إلى طلب المشاركة في خصوصيات الرجل ؟  بمعنى آخر : ما قيمة خصوصية المرأة في نظر المجتمع ككل، رجالاً ونساءً ؟

          إن نظرة الرجل الخاطئة إلى قيمة عمل المرأة الزوجة في خصوصيتها، والتي غذتها المرأة نفسها في نفوس بناتها، وضاعفتها الدولة لحل مشكلاتها الاقتصادية، أدت من ناحية إلى تنامي نظرة الاحتقار إلى عمل المرأة الزوجة في خصوصيتها، ومن جهة أخرى ضاعفت الشعور بالدونية وحقارة قيمة هذه الخصوصية في المرأة نفسها،  دون ذنب جنته في هذا الاختصاص الطبيعي الإلهي.  فكان الشرك الذي أوقع المجتمع كله في تناقضات تمس أخص خصائص عقيدتها، وأدت إلى النتائج السيئة والشريرة التي لا راد لها.

          وإذا كان كل نداء بالإصلاح يشارك فيه كل علماء المجتمع مهما اختلفت تخصصاتهم.  فأرجو ألا يُدلي علماء الاقتصاد بدلوهم في النتائج الاقتصادية لندائي بعودة المرأة إلى العمل في خصوصياتها،  لأن الحالة الاقتصادية عامل متغير متقلب دوماً بين الرخاء والعجز،  بين الغنى والفقر. وتدخلهم في هذا الأمر، يربط بين زائل متغير وبين حقيقي ثابت.  هذا إذا كانوا يبحثون فعلاً عن حل حقيقي للتناقضات الموجودة في مجتمعنا.  وإن كنا لا نقلل من شأن حججهم وتأثيرها السريع والفعال في كل تغير في المجتمع الإنساني. اكتفي بهذا القدر تاركاً المجال للدفاع.

رئيسة المحكمة:          الدفاع تتفضل.
الدفاع           : أيتها السيدات، إن أعمال موكلي معروفة وليست خافية على أحد. وأن الدور الكبير والأساسي لقيام دولتنا والتي لعبها موكلي لا تحتاج إلى تبيان أو توضيح.  وإذا كان الهدف الأول للقضاء ونحن جميعاً نساؤها،  هو المحافظة على سلامة المجتمع.  فإن موكلي لم يكن يهدف من مواقفه،  وقد سمعنا جميعاً دفاعه وآراؤه منذ دقائق، إلا إلى المحافظة على سلامة المجتمع وتطوره في الطريق الصحيح.  وإن اتهامه بالخيانة العظمى للدولة من منظورها الواسع العام لا يستند إلى أي أساس من الحقيقة أو الواقع. 
دعونا نسأل أنفسنا، منذ شهور بدأ حكم النساء في دولتنا.  ماذا قدمت النساء من جديد في الدولة .. في السياسة الداخلية أو الخارجية أو غيرها من جوانب الحياة ؟  الإجابة ستكون : لا جديد. ثم دعونا نلج لسؤال آخر : ما هي نتائج حكم النساء حتى الآن ؟

الإدعاء العام  :
إن كلام الدفاع خارج عن صلب القضية.
رئيسة المحكمة:
اعتراض غير مقبول. على الدفاع أن يواصل.
الدفاع :
إن كلامي ليس خارجاً عن صلب القضية.  إن المتهم من كبار المفكرين المعترف بهم في الدولة، وهو كان الممثل الأول للدولة في المحافل الدولية كمفكر.  ومحاكمته يجب أن تكون من هذا المنظور.  فقد سمحت له الدولة بالتعبير عن فكره بحرية، ولا يمكن أن نحاسبه بعد ذلك عندما يفكر بحرية.  صحيح أن غيره له حرية الكلام فقط لا حرية التفكير.  إلا أنه كما قلنا اختص باحترام الحاكمة والدولة والعالم من منطلق تعبيره الحر عن أفكاره.

نعود إلى الإجابة عن السؤال الذي أثرناه،  ما هي نتائج حكم النساء حتى الآن؟  إن أول ما دمرناه هو نصفنا الآخر .. الرجل.  وكما ظلمنا الرجل، ظلمناه.  وبدلاً من أن نقيم العدالة في المجتمع،  حل الظلم. إن حرية المرأة في الواقع بدأت منذ زمن غير قليل، ورغم ذلك لم تستطع المرأة حتى الآن أن توقف أشكال الاستلاب لإنسانيتها.  فهي إعلان على كل سلعة، من زجاجة العطر إلى السيجارة، من أدوات التجميل إلى أمواس الحلاقة.  إذا كانت صور المرأة في عهد الرجل احتلت أغلفة مجلات وصحف الدرجة الثانية،  فهي في عهد حكم المرأة وحرية المرأة أصبحت على كل الأغلفة وعلى صفحات الصحف حتى المحترمة منها،  دون سبب أو هدف مقنع.  إن الإعلان أدى إلى تشيوء المرأة أولاً، وتعدى ذلك إلى مكننة المرأة ثانياً. أي إهانة أصابت المرأة في عهد حرية المرأة وحكم المرأة؟

اتهمنا الرجال بأنهم أصبحوا أشباه رجال.  وكان الاعتقاد أن الهدف من الدولة الجديدة أن نعيد للرجل رجولته، ولكن النتائج جاءت عكسية، إذ أن المرأة بعد أن أصبحت رئيسة ووزيرة وأخذت كل السلطات، بحثت عن جدار تستند عليه فوجدت الرجل يريد أن يستند عليها بعد أن تحول إلى إنسان مسلوب السلطات ولم تعد له الكلمة.

ونتساءل : ما هي نتائج القوانين المتكررة لسلب حقوق الرجل؟  إن أبسط أسلوب لإنجاح أي تجمع بشري للاستفادة بأقصى إمكاناته وطاقاته هو توزيع الأعمال وبالتالي تتساوى الكفتان.  وهذا ينطبق على القانون أيضاْ.  حتى لا يختل التوازن بين أفراد المجتمع،  يجب أن نوازن بين الواجبات والحقوق. الواجبات كتوزيع الأعمال، والحقوق كنتائج هذه الأعمال.  أما الاستئثار بالنتائج دون عمل يقابله يخل بالتوازن.  ومطالبة الرجل بواجبات تفوق حقوقه يخل بالتوازن. وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه الرجل في عصر تسيده.

إن أهدافنا جميعاً يجب أن تتفق مع هدف هذا المفكر الذي نضعه ظلماً في قفص الاتهام.  يجب أن يكون هدفنا أن نسترجع نصفنا الآخر إلينا أولاً  .. لأننا لا نستطيع أن نعيش نصف حياة. ونعيد للرجل رجولته ثانياً، ليرهب الطامعين في بلادنا،  ويحرر أراضيه المغتصبة، وحقوقه المستلبة في الحرية والديمقراطية. ونقول مع الشاعرة :

مزاجي أن أتزوج يوماً
صهيل الخيول الجميلة
فكيف أقيم علاقة حب
إذا لم تعمد بماء البطولة
وكيف تحب النساء رجالاً بلا رجولة

ونتساءل معها :

ماذا تريد النساء من الحب إلا
قصيدة شعر
ووقفة عز
وسيفاً يقاتل ؟
وماذا تريد النساء من المجد
أكثر من أن يكن بريقاً جميلاً
بعيني مناضل؟ *

صوت من القاعة:
يحيا العدل
أصوات :
يحيا العدل
رئيسة المحكمة:
هل انتهى الدفاع من دفوعه ؟
الدفاع           :
نعم.  وشكراً.
رئيسة المحكمة:
(بعد أن تناقش بصوت هامس القضاة اللتين تجلسان بجوارها) الحكم بعد المداولة.
(يخرجن، ويستدل ستار الختام)





































































الاثنين، 12 ديسمبر 2016

في بيتنا انقلاب (4)

الفصل الثاني


(داخل برلمان .. منصة رئيسية في خلفية المسرح عالية .. منصة منخفضة قليلاً أمام المنصة الرئيسية لإلقاء الخطب .. على الجانبين مقاعد تجلس عليها عدد من النسوة .. يوحي المنظر بأنهن عضوات البرلمان في المكان الذي يجلس فيه المشاهدون)

إحدى النساء لأخرى تجلس بجانبها :
-         هل رأيت من قبل فاتن محمود زوجة حاكمنا القديم ورئيس المجلس الآن ؟
-         نعم .. إنها امرأة لا ينطفئ لها بريق

(على الجانب الآخر):
-         ماذا تحملين معك ؟
-         جئت ببعض الخيوط ، لأكمل غزل فانلة لإبني وقت استراحة المجلس.

(وعلى جانب آخر):
-         أمس طبخت باذنجان هائل
-         صفي لي طريقة عملها
(بدأت تشرح لها طريقة عمل الباذنجان)

(حوار آخر):
-         ما رأيك .. نريد أن ننتهز فرصة وجودنا في العاصمة واستراحة المجلس لنتسوق.
-         دون أن نطلب إذناً بالخروج؟
-         لن يكتشف أحد غيابنا.

(تتقدم الرئيسة إلى منصة إلقاء الخطب وسط تصفيق نساء المجلس الوقوف)

                 
فاتن :
سيداتي .. باسم الشعب .. أهنئكم وأهنئ نفسي ببداية فجر جديد لبلادنا .. (تهتف) .. تعيش بلادنا حرة مستقلة .. تعيش بلادنا حرة مستقلة (تصفيق حاد) .. في بداية كلمتي أشكر لكم ثقتكم  وأتمنى أن أكون عند حسن ظنكم .. (هتافات .. وتصفيق حاد)
أخواتي..
إن الخطأ التاريخي الأول الذي وقعت فيه أمهاتنا هو ترك قيادهن في أيدي الرجال،  يجب أن نصحح ذلك. وما أخذه الرجل بالقوة ما كان ليسترد إلا بالقوة .. والخطأ الثاني الذي وقعت فيه أمهاتنا هو تربيتها لأبنائها على مبادئ الرجال الهدامة، مثل تمييزها بين الابن والابنة على حساب الأخيرة.  إن الرجل أو الرجولة قد فقدت مبرر تميزها وفوقيتها، خاصة في بلادنا.  رعاية الطفولة أصبحت في يد المرأة،  رعاية الأحداث أصبحت تحت يد المرأة، المحافظة على البيئة .. رعاية الكبار .. كلها تحت مسؤولية المرأة كل هذه الحقوق الإنسانية أصبحت من واجب المرأة وتحت رعايتها .. أما الشؤون والمهمات التي ليس لها حل  أو طول أو قوة تركناها للرجال ليثبتوا فيها فشلهم من اقتصاد وسياسة وحرب .. الخ (تتوقف قليلاً .. ثم تواصل) كانت حجة الرجل حتى لا نشاركه عمله ونطالبه بالمساواة، أننا مخلوقون للإنجاب .. وظلوا يلهون أمهاتنا بالتوالد الكثير،  وياليته كان مفيداً للمرأة ،  فقد أصبح التكاثر مفخرة للرجل!  أما بعد التراجع الانجابي الكبير نتيجة للدعوة العالمية لتحديد النسل، ورعاية صحة الأمهات، وتوفير الوسائل الآلية لأعمال البيت التي أرهقت أمهاتنا،  هذه الأسباب أعادت للأم إنسانيتها وحقها في المساواة بالرجل،  وجاء دورنا لنعيد للمرأة دورها القيادي في إدارة الدولة وتحديد المصير العالمي،  لبناء حياة افضل للبشرية جمعاء (تصفيق وهتافات)

أخواتي .. واليوم ونحن نحكم باسم المرأة،  لم نسلب حقاً كان للرجل، بل هو حقنا الذي استرددناه منه بعد سلب هذا الحق منذ زمن بعيد من أمهاتنا.  فكل النظريات الاجتماعية قد اتفقت على أن المرأة هي التي كانت تحكم البيت.  وقد تركت هذا الحق للرجل بوعي أو دون وعي،  بعد أن أقنعها الرجل بأن القوة والسلب والنهب هو قانون الحياة، وهو اقدر عليها. وأن نجح الرجل في صنع الحضارات، فهو أيضا الذي دمرها. والآن قد تقدم العلم بشكل لم يسبق له مثيل في الحضارات السابقة، وخوفا من أن يدمرها الرجل مرة أخرى،  تطوعنا نحن نساء بلادنا على أن نحمي حضارتنا وأولادنا من الدمار،  الذي لن يتأتى إلا بالثورة والوصول إلى مقاعد الحكم،  تحيا ثورة النساء (تهتف)  تحيا .. تحيا (تصفيق  حاد وهتافات).

أخواتي
إننا لا نخالف الطبيعة بثورتنا وأفكارنا هذه .. ففي عالم النبات نرى الفلاح يجز الذكور من النخل والنباتات الأخرى، ويترك الأنثى لأنها هي التي تثمر.  وفي عالم الحيوان، نذبح الديوك في حظيرة الدجاج ونكتفي بديك واحد، ونحتفظ بكل الدجاج،  لأن منها البيض ومنها الكتاكيت وهكذا في إبقاء الأبقار وذبح العجول حتى أن الله قد أرسل كبشاً ليفتدي به إسماعيل عليه السلام ولم يرسل نعجة .. (هتافات وتصفيق حاد).

أخواتي
          في مؤتمر المرأة العالمي الأخير .. كان لتواجد سيدات بلادنا تواجداً إيجابياً .. وقد اختيرت بلادنا كأمثل مكان لتطبيق نظرياتنا وتحقيق السلام وحماية مستقبل البشرية من الدمار .. ولا نبخس في هذا المقام من رجال بلادنا .. فهم الذين بدؤوا بإعلان السلام، وأعطوا الأمان لأعدائنا التقليديين ونتمنى أن تنجح حركة النساء في بلاد الأعداء ويقبضن على مقاليد الحكم أيضاً إن رجالنا وإن كانوا قد بدأوا السلام،  إلا أنهم ما لبثوا أن قلة حماسهم ووصلوا في محادثاتهم إلى طريق مسدود .. ونحن النساء في جميع أنحاء العالم نثق في أننا اقدر على تحقيق السلام والخير والرفاهية على الأرض فالسلام لن يحتاج إلى الرجال .. وقد انتهى دور الرجال في قيادة الدولة إذ كان دورهم يتوقف عند حد المفاوضات والخطب والزيارات .. (هتافات وتصفيق حاد) ..

أخواتي
          في نهاية خطبتي .. أهنئكم وأهنئ الإنسان في جميع أنحاء الكرة الأرضية بهذا الإنجاز النسائي الأول .. ونطمئن الرجل أننا لسنا بأعدائه فهو الابن وهو الأب وهو الزوج .. وسيكون له مكان في برلماننا في وقت لاحق .. إيماناً منا بالحرية والمساواة والديمقراطية .. (هتافات وتصفيق حاد).



(تنزل الرئيسة من على منصة الخطب ،  وتعود إلى مكانها في المنصة الرئيسية،  وتصعد أمينة المجلس)

أخواتي نظراً لأن جدول أعمال المجلس في أولى جلساته يحمل كثيراً من استراتيجية عملنا وتمس الأمور الخطيرة التي تصدينا لحملها،  فقد قررنا أن تكون الجلسة الأولى سرية.

(تخفت الأنوار بعض الشيء،  ونرى أشباح المتناقشات بلا صوت،  ثم هرج ومرج وتضاء الأنوار فجأة)

صوت :   
ماذا حدث ؟
صوت آخر:
(تصرخ) اللواء مصطفى وزير الدفاع يقود حركة تمرد في الجيش ضد الثورة.


(هرج ومرج على المسرح،  ونسمع طلقات رصاص،  ويسدل الستار)

الأحد، 4 ديسمبر 2016

في بيتنا انقلاب (3)

اللوحة الثالث ( المسرح خالي، يدخل نائب الرئيس في البهو منتظراً في ملابس عجيبة)

الرئيس:         
من ؟  فوزي ؟!
فوزي :
أنا يا سيدي .. أخبار غير سارة .. احتفظ بضبط النفس.
الرئيس:         
قل بسرعة .. ماذا حدث ؟  ولماذا تلبس هذا الزي الغريب ؟
فوزي :         
انقلاب يا سيدي ..
الرئيس :
(يجلس منهكاً على الكرسي) انقلاب ؟  كيف ؟  من ؟  متى ؟
          فوزي :
احتل مجهولون مبنى الإذاعة .. وأذاعوا نبأ إلغاء اجتماع المجلس اليوم .. وسيتم موافاتنا بالتفاصيل بعد قليل .. وانتهزت هذه الفرصة لآتي إليك متخفياً في هذا الزي، وخرجت من الباب الخلفي بعيداً عن أعين الحراس المحيطين بالمنزل..
(يمد الرئيس يده بسرعة إلى مفتاح المذياع)
المذياع:
(صوت نسائي) جاءنا البيان التالي .. نرجو من جماهير شعبنا العظيم عدم مغادرة منازلهم إلى أعمالهم صباح اليوم .. فقد أعلنت الحكومة حظر التجول من الساعة الثامنة من صباح اليوم إلى أجل غير مسمى .. (ثم تهتف) تحيا ثورة النساء (موسيقى وطنية جديدة)..
الرئيس:
هذا عبث .. هذا لهو .. هذا هراء .. ثورة نساء ؟ هأهأ ... يا للمهزلة!
المذياع:
(تتوقف الموسيقى ..نفس الصوت النسائي) جماهير شعبنا العظيم .. جاءنا البيان التالي من مجلس النساء الحاكم .. تولى صباح اليوم بإذن الله وعونه، مجلس نساء بلادنا المزدهرة مقاليد الحكم .. وستلقي السيدة منى عبد المجيد مديرة الإذاعة والتليفزيون الخطبة الرئاسية بالنيابة عن المجلس .. (تهتف) تحيا ثورة النساء..(الموسيقى الوطنية .. بعد قليل تتوقف الموسيقى.. صوت ناعم رقيق ساحر) .. يا جماهير شعبنا العظيم .. اليوم ونحن نمسك بمقاليد الحكم في البلاد .. نبدأ بذلك أول حركة إيجابية في طريق إنهاء حكم الرجل،  ذلك الحكم الذي انتهى من بلادنا من مدة غير قصيرة في الواقع .. لنمسح بذلك دموع أهل البلاد التي طالما قاست من سلبية الرجل وأخطاء الرجل ونتائج حكم الرجل .. التي أدت إلى تدهور اقتصاد بلادنا رغم وعوده الكثيرة بالرخاء،  ونشر الخوف في قلوبنا بدلاً من الأمان .. مع ذلك لا يجب أن يظن الرجل أننا ضده .. فالرجل هو الأخ والزوج والابن .. ونعد الرجل أننا سنكرمه ونضعه في المكان اللائق .. ولن ننقص من كرامته أو نمس شرفه .. وسيعيش بيننا كريماً طالما لم يخرج عن الدستور .. مع أطيب الأمنيات .. (تهتف) تحيا ثورة النساء (الموسيقى الوطنية).

(يحاول الرئيس السابق الاتصال بالهاتف،  يجد الخطوط مقطوعة .. ويحاول مع نائبه الخروج فيمنعهما الحراس)

فوزي :
سيدي .. لا داعي للغضب .. ويجب أن نحتفظ بضبط النفس في هذه اللحظات الحرجة .. كما يجب أن نتصرف بحكمة..
المذياع :
(تتوقف الموسيقى) جاءنا هذا النبأ من مجلس نساء بلادنا المزدهرة: بالإشارة إلى قرار منع التجول الذي صدر صباح اليوم من مجلس نساء بلادنا المزدهرة .. مازال هذا القرار سارياً باستثناء خروج النساء .. فيمكن للنساء فقط النزول للتسوق لجلب احتياجات منازلهن وأسرهن.
الرئيس :
هذا شئ مثير للضحك . (ويبدأ في الضحك) إذن النساء تولين مهام الرجال؟
فوزي:
(ساخراً أيضاً) نعم .. نجلس نحن في المنزل (يضحك)
الرئيس:
(ساخراً) ولن نكون مضطرين بعد اليوم للاستيقاظ مبكراً للذهاب للعمل (يضحك).
فوزي:
نعم .. نعم (ضاحكاً) ويمكنك أن تنام إلى أن يدخل الشمس إلى حيث سرير نومك ويلفعك (يضحك).
الرئيس:
(يضحك) ونصحو متأخرين لنجهز طعام الغذاء لزوجاتنا
فوزي :
(يضحك) وإذا لم تنته من إعداد الطعام قبل مجيء زوجتك،  فمن الممكن أن تحتج بوعكة صحية، لأن الرجل سيكون معرضاً للمرض الكثير وهو جالس في البيت، ألن يكون هو الجنس الناعم الضعيف ؟
الرئيس :
لكن .. هل سنخفي حبنا لزوجاتنا كما كن يفعلن معنا ؟
فوزي:
نعم، وستبذل كل زوجة لزوجها من الكلام الجميل الكثير،  وسيقمن بمغازلتنا، ويطاردننا داخل البيت من غرفة إلى غرفة، ومن الصالة إلى المطبخ للإمساك بنا (يضحك).
الرئيس:
وسيتقدمن لأهالينا ليطلبن الارتباط بنا (يضحك).
فوزي:
أنا أشك في قدرتهن على الحب والزواج عن حب.  فلا يمكن أن يتغيرن في يوم وليلة،  من تقييم المتقدم لخطبتهن بماله وقدرته على توفير الرفاهية لهن، إلى جعل الأولوية فيمن يخترن حسب الوضع الجديد القيم الأخلاقية والحب والجمال.  خاصة أن التاريخ الطويل لشرقنا لم يثبت أي حالة حب إلا من طرف واحد وهو الرجل.  قيس يحب ليلى وتتزوج غيره، عنترة يحب عبلة وتتزوج غيره وهكذا ..
المذياع:
(مقاطعاً الضحك الهستيري) جاءنا هذا النبأ من مجلس نساء بلادنا المزدهرة :  يجري المجلس أول اجتماعاته الميمونة إن شاء الله هذه الساعة، لانتخاب الهيئة العليا التي ستحكم البلاد .. (موسيقى وطنية).
الرئيس:
لا أصدق .. غير معقول..
فوزي:
وهل كل ما كان يجري من حولنا معقولاً.  نحن عملنا بقدر طاقتنا ووصلنا بأنفسنا وببلادنا إلى طريق مسدودة .. غيرنا الوزراء أكثر من مرة .. واستعنا بأعظم خبراء بلادنا .. ولكن كل شئ سار إلى الانحدار بقوة غريبة كالسيل لم نستطع أن نوقفه.  وأنا راض بهذا التغيير .. فقد يكون حظهن أحسن من حظنا.
الرئيس:
ما هذا الهراء الذي تقوله،  هل جننت ؟ هل أطار الحادث صوابك وعقلك؟
فوزي :
الجنون هو أن نحاول أن نهرب من الواقع الجديد.
الرئيس:
ما يحدث لا ولن يقبله أي رجل في بلادنا.
فوزي :
لماذا؟  ألم يقبل الرجل أن تتساوى معه المرأة وطلب مشاركتها  في بناء عش الزوجية؟  ألم يعتمد المستثمرون الرجال على المرأة حين عينوهن في المراكز القيادية في المصانع والشركات الكبرى بحجة أن النساء هن اللاتي يتحكمن في ما تستهلكه الأسرة، وبالتالي فالنساء يعرفن أذواق قريناتهن ورأيهن في السلع المختلفة.  ألم تلاحظ أن إعلانات كافة المنتجات موجهة إليهن بل هن المسيطرات على الإعلانات نفسها.
الرئيس:
وأين رجالنا من كل هذا ؟
فوزي :
الرجال بعد هزائمهم المتتالية في الحروب، وفشلهم في الخروج من المآزق الاقتصادية أو السياسية، وانتشار البطالة في صفوفهم، أصبحوا نهباً لأمراض السكر وضغط الدم والقولون العصبي، الذي ساهم في تدهور جهاز المناعة لديهم، وأدى إلى قلة قدراتهم على مقاومة الفيروسات والميكروبات، والنتيجة خضوعهم التام لزوجاتهم.
الرئيس:
(بعد صمت طويل) كل هذا كان يحدث ونحن لا ندري أو نخفي عن نفسنا هذه الحقائق المُرة .. كما تخفي النعام رؤوسها في الرمال..
المذياع :
(مقاطعاً) جاءنا النبأ الآتي من مجلس النساء في بلادنا المزدهرة : بموافقة أغلبية المجلس،  فقد تم انتخاب السيدة / فاتن محمود رئيسة للمجلس وللدولة، والسيدة / ليلى السيد علي نائبة للرئيس .. (يختفي الصوت مع انطلاقة حديث الرئيس)
الرئيس:
(ينهار ويجلس منهكاً على الكرسي ويصرخ) زوجتي فاتن رئيس للمجلس .. كلا .. كلا.. .
فوزي:
(يصرخ) وزوجتي ليلى نائبة للرئيس .. هذا ليس انقلاباً في الدولة،  إنه انقلاب في بيتنا (يجلس منهكاً على الكرسي أيضا) .. هذا تفسير لخروجهن مبكراً ودون إذن هذا الصباح..

(تخفت الأنوار .. ويسدل الستار).