الجمعة، 26 يونيو 2015

الكذب في الجامعة الأمريكية ... حلال ولا حرام؟


هل مررت من قبل بتجربة الكذب على الآخرين (كذبة بيضاء)؟  إنها تجربة مثيرة.  إليك ما حدث مع أحد الأصدقاء...

 

كان ذلك في درس للغة الإنجليزية,  وكان على كل منا أن يتحدث عن نفسه, وعن عائلته, من خلال كلمات وجمل جاهزة تساعدنا في تحقيق هذا الهدف.

 

ولأنني أردت أن استعمل عبارة "يقاسمنا في الشقة" (الجاهزة),  في جملة مفيدة, قلت عبارة : وأمي تقاسمنا الشقة"  بعد عبارة "أعيش في الشقة مع زوجتي وأولادي".  وهذا يكذبه الواقع.

 

ولما كان من أساسيات تمارين الدرس أن يقوم المتكلم بالرد على أسئلة بقية الزملاء,  فقد دهشت أن يتركز أسئلة الزملاء على عبارتي غير الحقيقية,  وهي أن "أمي تقاسمنا في الشقة",  وتلقيت سيلاً من الأسئلة :

كيف جمعت بين الزوجة والأم في شقة واحدة؟

هل وافقت الزوجة على ذلك؟ أليس هناك مشاكل تنشأ بينهما؟!

وكيف تحل هذه المشاكل؟  وهكذا .. وهكذا..

 

فلم أجد بداً من الاستمرار في الكذب...

إن زوجتي وافقت على أن تعيش مع أمي بلا  أي شروط

وأن هذا شئ عادي في بلادنا النوبية

وأنه ليس هناك مشاكل تذكر تنشأ بينهما

وأنه لو حدثت أية مشكلة فإننا ننساها في اليوم التالي فوراً .. وهكذا

 

وبعد انتهاء الدرس, أخذت أستعيد كل الأكاذيب (السوداء) التي اضطررت أن أقولها, والتي ترتبت على الكذبة (البيضاء) الأولى.

 

قد يبرر البعض ذلك (معي) بدواعي الدرس,  نعم.  ولكن البعض الآخر قد لا يتسامح معي بعد أن عرف الحقيقة.  ولكن في الحالتين,  نحن أمام مشكلة اجتماعية, وعقلية, أو قل أخلاقية, استجدت في مجتمعنا النوبي, نتيجة للانتقال من الحياة القروية النوبية, التي كانت تعتز برعايتها للوالدين والأقارب والأرحام, مهما تغرب الزوج خارج القرية, إلى الحياة الحضرية, بكل ما تحمله من قيم مادية لا مكان للقيم الروحية فيها.

 

فأصبح والد العروس هو الذي يشترط (قبل العروس) بالشقة المنفصلة عن والدي العريس !!  أصبح رعاية الأبناء لوالديهم والإحسان إليهم (كما أمر الله سبحانه وتعالى) شيئاً تعافه الزوجات الجديدات وأسرهم !  وحتى بعض الفقهاء! 

 

وتغيرت المصطلحات,  فبدلاً من زيارة الأقارب (كما أمر الله سبحانه وتعالى),  أصبح (اللي عايزنا يجيلنا) على لسان زوجاتنا الشابات!    وبدلاً من تحقيق التقارب بالزواج بين أسرتين كانتا بعيدتين,  حل محله البغضاء والشحناء!   وإذا تبادل الزوج العلاقات الطيبة مع أهل زوجته,  فهم في رأي أهله (عملوا له عملاً أو سحراً),  وبالمثل إذا بادلت الزوجة العلاقات الطيبة مع أهل زوجها (وهو المفروض)!

 

وهكذا... لا حافظنا على قيم القرية الروحية,  ولا اكتسبنا قيم الحضر من علم وتحضر.  لقد زاوجنا بشكل عجيب بين سيئات القرية الغارقة في السحر والجهل,  وبين الحاضر الغارق في المادية بلا روح !!!  وربنا يكون في العون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق