الخميس، 4 ديسمبر 2008

حوار مع مفتي مصر الدكتور علي جمعه


هو حوار أجرته نورا عبد الحليم مع مفتي الديار المصرية د. علي جمعه، ولنا عليه تعقيب:

1- أدلى فضيلة المفتي، خلال المقابلة، برأي مفاده: أن بعض المشتغلين بالفكر الإسلامي تصدر منهم آراء تكون شخصية، وناتجة عن تجربة حياتية، وليست ناتجة عن استنباط حكم الله من المصادر الشرعية المعتمدة وهي القرآن والسنة في الأساس، ثم ما أجمعت عليه الأمة.

وعندما سئل: ما مساحة الحرية التي أعطيتموها لبناتكم؟ جاء رده بالنص كما يلي:

"الإنسان لا يشعر بإنسانيته إلا إذا كان حرا ومختارا بل ولا يثاب عند الله إلا إذا أتى الأفعال مختارا. ولقد تركت بناتي في حرية تامة فيما يخص الحياة الدنيا بدءا من اختيار الملابس.. واختيار التعليم.. واختيار الأزواج.. والبرنامج اليومي للحياة.. متى تذاكر ومتى لا تذاكر؟.. واختيار الأصدقاء في نطاق الأوامر والنواهي العامة.. ولا اذكر إنني فرضت على إحدى بناتي هواية معينة.. أو توجها معينا.. بعضهن قدن السيارات وبعضهن تخوفن منها.. كانوا في حرية تامة يشهدن بها، وما كان لي إلا النصح والتربية وتعليم مفاهيم الإسلام، فالإسلام دين سمح بالحرية لأقصى درجة حينما قال «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» ( الكهف 29)، ولكنه بين عقوبة الكفر وقال «انا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا» ولكنه قال أيضا «وهديناه النجدين» البلد 10 يعني سمحنا له بان يعرف طريق الخير من طريق الشر، فالإسلام احترم حرية الإنسان.. والبدء هنا في الحياة الدنيا من الإنسان. وأنا في خطابي سواء مع المسلمين أو مع بناتي في البيت.. أو حتى في خطابي مع غير المسلمين في الخارج ابدأ من الإنسان، ما الذي ينفع الإنسانية؟
ويستطرد فضيلة المفتي قائلا: وهذه المساحة الضخمة من الحرية التي أعطيتها لبناتي عابها علي كثير من الناس خاصة من الجيل السابق من الآباء والأعمام، لكن الحمد لله ظهر أن هذه الخطة السديدة خاصة في العصر الذي نعيش فيه هي الأقرب إلى الصواب في معاملة الأبناء. (انتهى). (الخطوط تحت الكلمات من عند الكاتب).

وأقول:
يلاحظ إن رد فضيلة المفتي تضمن رأيه الشخصي، والناتجة عن تجربة حياتية، وليست ناتجة عن استنباط حكم الله من المصادر الشرعية. فشاب إجابته نفس العيوب التي ألصقها بالمشتغلين بالفكر الإسلامي!

فإذا كانت الدعوة إلى الدين، لولي الأمر، بالنصح للأمة لحديث الرسول (ص): من رأي منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الإيمان (مسلم:70)، فإن الدعوة في الأسرة تكون بالأمر، قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة" (التحريم: 6)، و "أمر اهلك بالصلاة واصطبر عليها" (طه: 132).

والأحاديث النبوية الشريفة الدالة على مسؤولية الوالدين، وتحملهما ثواب حسن التربية أو وزر سوء تربية أولادهما، كثيرة أيضا: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، و"من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شئ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء (مسلم: كتاب العلم)، ، و "… فالرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها.."، و"كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت"، و "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".

2- ورداً على سؤال آخر عن: المسائل التي تثير الحيرة حيث يحدث تداخل بين العادات المتوارثة والدين. جاء رد فضيلته بالنص كما يلي:
" بداية أقول أن تجديد الخطاب الديني المقصود به دائما عزل ما قد يعلق بالفقه الإسلامي من عادات، وأيضا عزل بعض الأحكام المبنية على تغير الزمان والأعراف، لان الله سبحانه وتعالى امرنا أن نأخذ بعرف كل عصر، فقال:خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (الأعراف: 199) فكثير من الناس لا يفهمون معنى تجديد الخطاب الديني فهو يبين كيفية تطبيق الدين في العصر الذي نعيشه، وقد تختلف هذه التطبيقات حتى لم يعد الإنسان يفرق بين ما هو شرعي وما هو عادة موروثة. وهناك أيضا قضية المستحدثات فيما لم يرد فيه نص.. وتغير اساليب التطبيق عندما تتغير البيئة المحيطة، فبيئتنا تختلف مثلا عن بيئة الإمام الدردير، أو الإمام الباجوري في الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة، ولذلك فكلامهم إنما هو في نطاق عصرهم.. فهم لم يخطئوا، بل الخطأ يأتي منا إذا جئنا بالمسائل المتصلة بذلك العصر وطبقناها في عصر آخر من غير التفات إلى الفرق بين العصرين. وأود أن أقول هنا أيضا أن الأمور أصبحت تتغير بصورة مذهلة.. فهناك فرق بين وقت ظهر فيه الدش وبين ما قبل دخوله لحياتنا، وهناك فرق أيضا فيما هو قبل الانترنت وما بعد الانترنت.. فالأمور غاية في التطور، وقد تكون غاية في التدهور والتفكك ولكنه الواقع المعيش الذي ينبغي أن نراعيه في أثناء التطبيق.. هذا هو ردي على قضية الخلط ما بين الفقه والعادات والتقاليد. " (انتهى).

وعندما سئل عن وجوب خدمة الزوجة لزوجها، جاء إجابة فضيلته كالآتي: "نقول أنه في الفقه الإسلامي لا يجب على المرأة أن تخدم زوجها، فالمرأة لا تتزوج لكي تصبح خادمة بمؤهل عال، فالزواج ليس فقط لبناء الأسرة، إنما هو لدرء الفتنة … الخ". (انتهى).

وأرى :

أن فضيلة المفتي لم يستند في رفضه وجوب خدمة الزوجة لزوجها إلى القرآن والسنة أو الإجماع، وإنما إلى العادات العربية القديمة حيث توفر في الجزيرة العربية العبيد والإماء. كما أنه لم يراع الواقع المعاش الآن الذي ينبغي أن نراعيه أثناء التطبيق، بالإضافة إلى أن الأعمال المنزلية المنوطة بالزوجة من البديهيات، وتفصيل ذلك:

1- أن المجتمع الإسلامي الأول لم يكن مكوناً من طبقة واحدة ، ولا أعرف ماذا كانت تفعل المرأة إذا لم تكن تقوم بإعداد الطعام وغسل الملابس والعناية بالأطفال وأفراد الأسرة!
فإذا افترضنا أن المجتمع الذي كان يملك فيه الأغنياء (الطبقة العليا من المجتمع) عبيداً، يقومون بالأعمال الشاقة بدلاً من الزوج، وتتحمل الإماء أعمال البيت الشاقة عن الزوجة، فإن هذه الرفاهية لم تكن متوفرة لكل طبقات الأحرار، كما هو الحال في كل زمان ومكان.

2- والفقه الإسلامي إذا رأي بعض علماؤه أن لا تخدم المرأة زوجها وجوباً، فإنه يقدم أيضاً بعض العلماء الذين راعوا ظروف المجتمعات الطبيعية من جهة، والحالية من جهة أخرى، فجعلوا توفير خادمة ضرورة إذا كانت الزوجة قبل زواجها تتمتع بهذا الحق، أما إذا كانت الزوجة ممن يعملن قبل الزواج بالواجبات المنزلية بنفسها بلا خادمة، فيجب عليها أن تقوم بنفس العمل بعد الزواج.
يقول صاحب (فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك – مسائل النفقات): "حاصل الأحكام المنصوصة أن المرأة إن كانت من أشراف الناس الذين ليس شأنهم الخدمة بأنفسهم، وكان الزوج موسرا قادرا على الإخدام فلا يلزمها شيء إلا الأمر والنهي، وكذا إن كانت من لفيف الناس الذين شأنهم الخدمة بأنفسهم ، وكان الزوج من الأشراف الذين لا يمتهنون نساءهم ، وعلى الزوج في هذين القسمين أن يأتيها بخادم بملك أو إجارة أما إذا كانت من الأشراف ، والزوج فقير لا قدرة له على الإخدام أو كانت من اللفيف ، والزوج كذلك ، ولو مليا فعليها في هذين القسمين الخدمة الباطنة من عجن وطبخ وكنس وفرش واستقاء ماء من بئر في الدار أو خارجها أو بحر بشرط القرب ، والاعتياد في الاستقاء ، وخياطة ثوب لها أو له".
وفي الحديث أن فاطمة جاءت إلى نبي الله e تشتكي إليه الخدمة فقالت: يا رسول الله والله لقد مجلت يدي من الرحى (أي انتفخ وتورم جلد اليد)، أطحن مرة وأعجن مرة، فقال لها رسول الله e إن يرزقك الله شيئاً يأتك وسأدلك على خير من ذلك إذا لزمت مضجعك فسبحي الله ثلاثا وثلاثين وكبري ثلاثا وثلاثين وأحمدي أربعاً وثلاثين فذلك مائة فهو خير لك من الخادم ... (الحديث، مسند أحمد، 25340).
كما ورد في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولا شئ غير فرسه وبعيره، فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤونته واستقى الماء وأخرز دلوه وأعجن وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ، حتى أرسل إلى أبو بكر بجارية فكفتني سياسة الفرس، فكأنما اعتقتني. (رواه البخاري في كتاب النكاح 107، ومسلم في كتاب السلام 34/2، وأحمد 6/347).
كما أن النبي e كان يقول: يا عائشة اطعمينا، يا عائشة اسقينا، يا عائشة هلمي الشفرة، واشحذيها بحجر" (رواه أبو داود في كتاب الأدب، باب 102، وأحمد 3/429 و5/426، والحاكم في المستدرك 4/270-271).

وواضح من الفقه الإسلامي، ومن الأحاديث العملية لرسول الله e أن الزوجة يجب أن تقوم بالأعمال المنزلية لزوجها وتصبر عليه.

وفي هذا الصدد من الملفت للنظر اعتبار بعض الزوجات الأعمال المنزلية أعمالاً من اختصاص الخادمة، وجارى فضيلة المفتي للأسف هذا الاتجاه، متناسين أن أصل تلك الأعمال منوطة بالزوجات، وأصبحت عملاً خاصاً بالخادمات لظروف ذكرتها أعلاه، بالإضافة إلى مرض بعض الزوجات أو عدم كفاءتهن في إدارة بعض أعمال المنزل، لذلك صارت من أعمال الخادمات، اللاتي هن نساء أولاً وأخيراً.

لا شك أن ضيق مساحة المقابلة الصحفية (صفحة واحدة) بالنسبة لإجابة عدة أسئلة، فيه ظلم للحكم على إجتهادات فضيلة المفتى. إلا أن الظلم أكبر للمتضررين من هذه الفتوى الأخيرة، حيث ستحجم بعض الزوجات عن خدمة الأزواج والأولاد، وسيؤدي ذلك حتماً إلى ما لا يحمد عقباه، وفي أفضل الأحوال، ستطالب بعض الزوجات بمقابل مادي، ورجالنا متعسرون أصلاً، حيث أن دخل الفرد العربي أقل بكثير عن دخل مثيله في العالم. وإذا كانت عدد الزيجات في أكبر دولة عربية (مصر) انخفضت إلى أقل من 50% (إن حالات الزواج تراجعت من 759 ألف حالة في عام 2000 إلى 351 ألف حالة عام 2001. القبس 20/11 محطات مصرية )، فلننتظر مزيداً من الانخفاض في عدد الزيجات نتيجة هذه الفتوى. لنا الله.
ولنا الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق