الاثنين، 1 ديسمبر 2008

الجمعيات الخيرية ضرورة حيوية للسلام الاجتماعي



مقدمة
إن رسالة العمل الاجتماعي عامة والنوبي خاصة تتميز بخاصيتين رئيسيتين:
1 . العمل الخير في البيئة المحيطة بالفرد، والتوسع المستمر في أدائها.
2 . العمل التطوعي بلا أجر.
لا يختلف اثنان في أن العمل الخيّر في البيئة المحيطة بالفرد أي الأقارب والأهل والجيران، من أولى الواجبات التي أمرت الرسالات السماوية الأنبياء والمرسلين والذين أمنوا القيام بها. وجعل الله تعالى الإحسان إلى الأقارب والجيران متساويا للاحسان إلى الوالدين، قال تعالى:".. وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل"(من الآية 36 سورة النساء). كما أن كل رسول أمر بدعوى أهله وقومه أولا ، والآيات الدالة على ذلك كثيرة. قال تعالى :"ولكل أمة رسول" (الآية 47 سورة يونس)، "ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه" (الآية 25 سورة هود)، "والى عاد أخاهم هودا"(الآية 50 سورة هود)، "والى ثمود أخاهم صالحا" (الآية 61 صورة هود"، "والى مدين أخاهم شعيبا" (الآية 84 سورة هود).

هذا، وتميز عمل الأنبياء والرسل ودعوتهم للخير، وجهادهم في سبيل الدعوة، تميز أنهم لا يسألون عن ذلك أجرا أو مكانة اجتماعية. والآيات الدالة على ذلك كثيرة، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام:"فان توليتم فما سألتكم من اجر إن أجرى إلا على الله وأمرت أن أكون أول المسلمين" (الآية 72 سورة يونس)، وعلى لسان هود عليه السلام:"يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجرى إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون" (الآية 51 سورة هود).

وجاءت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لتؤكد وتوضح واجبات المؤمن تجاه الأرحام والأقارب والجيران، ونفى صفة الإيمان والإسلام ممن لم يهتم بأمر المسلمين، والأحاديث الشريفة كثيرة، نورد منها على سبيل المثال لا الحصر: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، و"ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" و" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره".

رسالة العمل الاجتماعي النوبي
وما نحن النوبيين جميعا إلا أقارب أو جيران بعضنا لبعض. وما الجمعيات النوبية ممثلة في أعضاء مجالس إدارتها وأعضاءها ومنذ إنشاءها وحتى الآن، إلا جماعات خيرية منظمة على أحدث النظم الاجتماعية الملائمة للعصر والمجتمع الذي تعيش فيه. وما الأعباء والمسئوليات التي تضطلع بها من بناء مدافن، وجمع الصدقات، والزكاة بأنواعها، والوقوف بجانب المكروب في وقت الشدائد، إلا وجه من وجوه الخير والبر التي أمرنا الله تعالى أن نؤديها للأهل والأقارب والجيران.

تأريخ العمل الاجتماعي النوبي
بدأ العمل الاجتماعي النوبي في المدن في أوائل هذا القرن على شكل جمعيات عائلية، ثم جمعيات قبلية، يغرض تبادل واجبات العزاء والوقوف بجانب أحد أفرادها في الشدائد. وكان هذا الشكل الأولى والبسيط نتيجة طبيعية لطبيعة الهجرة في ذلك الوقت. فالمهاجر الأول من القرية إلى المدن المصرية (القاهرة - إسكندرية - السويس وغيرها) لم يكن أمامه كثير من الخيارات، فقد كانت هجرته محددة بالمدينة إلى يوجد فيها أقرب الناس إليه، لأنهم هم الذين سوف يتعهدونه، ويوجهونه إلى العمل المناسب وفي أقرب وقت ممكن، خاصة وان المدن كبيرة وحياتها معقدة وصعبة خاصة لمن ينزل إليها أول مرة. وبالتالي شكلت العائلات والقبائل التجمعات الخيرية الأولى للمهاجرين. ومع الاستقرار بالمدن، وتوالى الهجرات النوبية إليها، وبدء مشاركة الأقارب من غير العائلة والقبيلة في القيام بواجبات القرابة والجيرة، كما هي في قريتهم بالنوبة القديمة، تطور شكل العمل الاجتماعي النوبي إلى جمعيات نوبية تضم أبناء القرية الواحدة بنجوعها المختلفة. هذا الشكل الأخير هو أساس الشكل الذي وصلنا الآن. دون تغير في الغرض من التجمع.

تطور العمل الاجتماعي النوبي
ثم تطور شكل التجمع، بجانب الجمعيات القروية، إلى اتحادات إقليمية، فأنشأ نادي الكنوز، والنادي النوبي العام، اللذين أسهما في تطوير العمل الاجتماعي مثل إنشاء مدارس وتكوين فرق فنية وغيرها.

وفي أواخر الستينات، شعر الشباب النوبي المستقر بالمدن بضرورة إدخال بعض الأنشطة الأخرى إلى الجمعيات الخيرية القروية من نشاط رياضي، ونشاط ثقافي، وكشافة، وفن وغيرها. وفعلا أصبحت بعض الجمعيات مركزا لتجمع شبابها وشيوخها لفترة طويلة.

هذا، ولم يتوقف تطوير الشكل والمضمون عند هذا الحد، بل تطور الشكل الإقليمي إلى اتحاد واحد، تحت اسم "نادي النوبة العام"، الذي لعب أدوارا هامة في المراحل المختلفة التي مرت بها القرى النوبية منذ التهجير إلى النوبة الجديدة، وحتى الآن.
إلى أن كبرت الأنشطة الجديدة مثل الرياضة، وانفصلت في شكلها الحديث عن الجمعيات الخيرية، لتكون نوادي نوبية رياضية، بداية من نادي أبو سمبل الرياضي عام 1974، وانتهاءا بالنادي النوبي الرياضي عام 1987 ، ونادي توشكى الرياضي عام 1989 .

الخاتمة
أكتفي هنا بنقل ما كتبه د.محمد محمود الجوهرى في كتابه"المدخل إلى علم الاجتماع" عن ما تقوم به الجماعات الصغيرة في الأمة "بدور أقرب إلى الوساطة بين مستويين الولاء. فهى تقوم بإشباع بعض الاحتياجات ورعاية بعض مصالح أعضائها التي لا تلتفت إليها أو تهتم بها الجماعات التقليدية". فهو يرى أن "الجمعيات الخيرية وغيرها تتكامل من أجل غرض معين مقبول للجميع، من كافة الأعمار والطبقات والمهن .. الخ . وإذا عجزت تلك الجماعات الوسيطة عن التأثير، ولم تستطع اجتياز الجبهات الصلبة المتعارضة، فإننا نكون بإزاء خطر داهم على المجتمع، هو أن يتفتت إلى وحدات تمثل كل وحدة منها إحدى جماعاته الفرعية. والحالة المتظرفة لهذا الوضع هي ما نعرفه باسم "الحرب الأهلية." كفانا الله شرها.

فنعرف من ذلك، أن وجود تلك الجمعيات الخيرية ضرورة حيوية للسلام الاجتماعي يتعدى إطار القرية، ليسود القرى المجاورة كلها، بل الدولة كلها، بما تبذله من خير وإحسان للبيئة المحيطة وللإنسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق