الأربعاء، 14 فبراير 2018

زواج الدكتورة سميرة (مسرحية من فصل واحد)

الشخصيات:
الدكتورة سميرة:    في العقد الثالث، مصرية الجنسية لم تتزوج بعد.
الدكتور إبراهيم:    في العقد الخامس، كويتي.
أحمد          :  السكرتير ، في العقد الثالث، مصري، يحمل ليسانس في الآداب
أمل            :  موظفة     
ليلى           :        زميلة د. سميرة في السكن، في العقد الثاني، مصرية.
عم علي       :   فراش

المشهد الأول (غرفة مكتب حكومي عادي، يتضمن ثلاث مكاتب، اثنان منهم يبدو بمستوى أعلى من الثالث الذي عليه جهاز كمبيوتر. المكتب الأول خاص بالدكتورة سميرة، الثاني للدكتور إبراهيم، أما المكتب الأخير فهو لأحمد).
أثناء قيام العم علي بتنظيف المكاتب، يدخل أحمد ويهم بالجلوس على المكتب الذي عليه جهاز الكمبيوتر .

أحمد: صباح الخير يا عم علي.
عم علي: صباح الخير يا أستاذ أحمد
أحمد: الدكتورة سميرة لم تصل بعد؟
عم علي: نعم.  مازال الوقت مبكراً على وصولها.
د. سميرة: صباح الخير يا عم علي ... أنا وصلت .
عم علي: صباح الخير يا دكتورة.
د. سميرة: (برقة) صباح الخير يا أحمد.
أحمد: صباح الخير يا دكتورة.
يخرج عم علي، ويعود ومعه أكواب من القهوة والشاي، يقوم بتوزيعها على المكاتب .
د.سميرة: أحمد . إيه أخبار الأولاد.
أحمد: بخير والحمدلله. اتصلت بهم ليلة أمس.
د.سميرة: ربنا يطمئنك عليهم.
أحمد: شكراً يا دكتورة.  احنا عايشين بعطفكم.
د.سميرة: لا تقول ذلك.  احنا أهل وأخوات.
أحمد: (بخجل) ربنا يوفقك لابن الحلال الذي يعرف قيمتك.
د.سميرة: (بخجل) شكراً.
المكتب يلفه الصمت.  الدكتورة سميرة تطير بخيالها،  ويحط عينيها على أحمد، وكأنها لا تراه.
-يدخل الدكتور إبراهيم –
د. إبراهيم: السلام عليكم.
أحمد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا تشعر الدكتورة سميرة بدخول الدكتور إبراهيم،  ولا ترد تحيته.
د. إبراهيم: اللي واخد عقلك.
د.سميرة: (باحترام شديد) أهلا يا دكتور.
  يجلس الدكتور إبراهيم على مكتبه، وينهي شرب القهوة في رشفة واحدة –
د. إبراهيم: المحاضرة يا دكتورة.
د. سميرة: ثواني. (تحمل أوراقاً في يدها وتهم بالوقوف) أنا ذاهبة الآن.
- تخرج،  يلملم د. إبراهيم أوراقه ويخرج أيضاً. يقوم أحمد بأعمال على الكمبيوتر-
أحمد: (يتوقف عن الكتابة ويتحدث إلى نفسه) لماذا تقوم د. سميرة بالعطف علي وتسأل على أولادي بصفة دائمة وتهتم بأمورهم ؟
يقف أحمد ويبتعد عن مكتبه وفي يده بعض الأوراق ليضعها على أرفف معلقة.
أحمد (لنفسه): إنها لا تبخل على أولادي، وتنتهز أية فرصة لترسل معي بالهدايا لهم!  لماذا ؟ أكاد أجن؟ إنها لم تراهم... (يحاول أن يدفع فكرة طرأت على ذهنه) هل تحبني ؟ هل ما أشعر به تجاهها هو الحب ؟
-  يخرج -

المشهد الثاني ( نفس المكتب).
 تدخل الدكتورة المكتب منهكة ومعها الدكتور إبراهيم .
د. إبراهيم : (يضع بعض الأوراق على مكتب أحمد) أين أحمد؟
د. سميرة : (لا ترد كأنها لم تسمع).
د. إبراهيم: (إلى د. سميرة) هذا الشاب رجل طيب. وأخلاقه عالية. ويبذل قصارى جهده ليسعد من حوله.
د. سميرة:  فعلاً . (لنفسها) هل يشعر د. إبراهيم بما يدور في ذهني؟  هل يبدو علي الحب والهيام بأحمد؟  هل أبوح بما في خاطري للدكتور إبراهيم أولاً قبل أن أتكلم مع أحمد؟
 يدخل أحمد حاملاً بعض الأوراق ويجلس على مكتبه. الجميع منهمك في العمل.
أحمد: (يرد على التليفون) نعم.  صباح النور... هذا سهل جداً ... خلاص خلاص .. أنا طالعلِك ... (إلى الدكتور إبراهيم) أنا ذاهب إلى أمل ... هناك مشكلة لديها ... (يخرج)..
د. إبراهيم: ألم أقل لك أنه رجل طيب ويحب مساعدة الآخرين؟
د. سميرة: فعلاً. (بعد صمت قليل) كنت أريد التحدث معك في شأن خاص!
د. إبراهيم: تفضلي.
د. سميرة: (تذهب وتجلس على الكرسي الذي أمام د. إبراهيم) ... أنت مثل المرحوم والدي ... وتعرف معزتك عندي ...
د.إبراهيم: وانت تعرفي معزتك عندي، مثل بنتي تمام.  هذه عِشرة سنين. قولي ما تريدين.
د.سميرة: (بصوت فيه حشرجة، وتحاول أن تتماسك) ... العمر يفوت ... ورفضت كثير من عروض الزواج حتى استكمل تعليمي الجامعي والدراسات العليا ... وأحسب أن مركزي كاستاذة جامعية وفي الكويت منذ سنوات حالت دون أن يتقدم إلي أحد مرة أخرى ...
د.إبراهيم: مازلت صغيرة
د.سميرة: (مقاطعة) لا يجب أن نضحك على أنفسنا.  كثيرات مثلي يعانين من نفس الشيء.  والأيام تجري.  وأحسب أن (تتوقف قليلاً) أحمد يحبني.  وأرى أنه رجل مناسب ... ولم أر رجل مثله في حياتي. أعرف أنه رجل متزوج ... ولكن ظروفه لا ولن تسمح له بأن يأت بزوجته وأولاده للكويت ... ويعيش معنا هنا أكثر مما يعيش في القاهرة ... وأنا أحتاجه ... مثل ما هو يحتاجني. (تتوقف عن الكلام).
د. إبراهيم: أنا أشعر بكما.  هو رجل يستحقك.  وأنت تستحقينه أيضاً.  وكثيراً ما تمنيت أن أجمع بينكما.  وطالما أنت تحدثتي في هذا الأمر.  فهذا يشجعني على أن أعرض هذا الأمر على أحمد ... وما قمت به لا يخالف الاسلام. (يتوقف عن الكلام عندما تهم د.سميرة بالحديث).
د.سميرة: (كادت أن تقول شئ ... ثم تراجعت)
د. إبراهيم: (يكمل) طبعاً سأعرض عليه هذا الأمر بطريقة غير مباشرة.
د.سميرة: وفرت علي كثير من الكلام.


المشهد الثالث (في بيت د.سميرة ... غرفة الجلوس ... تتناول د.سميرة مع زميلتها ليلى كوبين من القهوة...)
د. سميرة: ليلى ... أنا أحب ..
ليلى: جميل ... أول مرة أشعر أنك سعيدة ...
د.سميرة: كان كابوس وانزاح ...
ليلى: الحب ... كابوس!
د. سميرة: لا ... انت لم تفهميني ... القرار الذي اتخذته اليوم ... كان كابوس وانزاح.  وأشعر أنني ارتحت .
ليلى: ربنا يريح قلبك ... أنت بذلتي وتبذلين يومياً جهود كبيرة ... ومنذ سنوات ... ورغم حياتنا معاً منذ مدة غير قصيرة ... إلا أنني لم أجرؤ على سؤالك لماذا لم تتزوجين طوال هذه السنين ... فما وصلت إليه من درجة علمية يفتح المجال أمامك ليتقدم إليك أفضل الناس ... مركزاً وقيمة ...
د.سميرة:  بل هذه الدرجة العلمية هي السبب في عدم تقدم أحد إلىّ طوال السنين الأخيرة ... فعندما كنت في الثانوية تقدم إلىّ الكثيرون ... وعندما التحقت بالجامعة تقدم إليّ عدد أقل ... ومع تفوقي بدأ العدد يقل إلى أن تلاشى تماماً بعد حصولي على الماجستير والدكتوراه!
ليلى: أحسب أن تقدير الرجال في وطننا العربي للمرأة ونظرتهم لها غريبة ... فالمفروض أنه كلما صعدت المرأة إلى درجات وظيفية أعلى كلما كانت فرصتها أفضل في الحصول على زوج ذو مركز ونفوذ ... ولكن ما يحدث هو العكس ... لماذا لا أعرف.
د.سميرة : كل الرجال يحسبون أن حاجة كل امرأة إلى الرجل يقل كلما صعدت إلى درجات وظيفية أعلى ... فإذا كان الرجال مختلفون بعضهم عن بعض ... فبعضهم يكون متواضعاً كلما صعد في الدرجات العلمية ... وقد تجدين منهم من هو متكبر رغم صغر مقامه ... فإن النساء كذلك ... فالكثيرات مهما صعدن في الدرجات الوظيفية أو العلمية تظل امرأة متواضعة تحتاج إلى رجل وبيت وأولاد ... ويكون الرجل هو رجل البيت الذي يجب أن يطاع.
ليلى: كلامك جميل يا دكتورة ... كلامك صحيح ...
د.سميرة : ولكن هناك مشكلة !
ليلى : ما هي المشكلة ...
د.سمير: قد يكون من أحب يخشى أن يتقدم إليّ لمكانتي الوظيفية !
ليلى : من هو ؟
د. سميرة: أحمد.
ليلى: أحمد... أحمد ... أحسب أنك تحدثتي معي عن شخص اسمه أحمد من قبل يعمل سكرتير في مكتبك ... أيعقل أنه هو؟
د.سميرة: ألم أقل لك أنها مشكلة ... نعم هو.
ليلى: هل تحبين أحمد؟
د.سميرة: أليس رجلاً طيباً وذو خلق.
ليلى: (كأنها تتراجع) لم أقصد.  مجرد سؤال.
د.سميرة: نعم هو.
ليلى: أنت تريدين الزواج منه ... وهو لم يتحدث إليك في هذا الأمر؟
د. سميرة: نعم.
ليلى: هذه مشكلة... هل تشعرين أنه يبادلك الحب؟
د. سميرة: هو لم يقل ذلك بصراحة ... ولكن اشعر من جانبه بالاهتمام والاحترام.
ليلى: وماذا فعلت ؟
د. سميرة: تحدثت في ذلك مع د. إبراهيم.
ليلى: وماذا كان رده؟
د. سميرة: كان رده ايجابياً... وقال أن ما قمت به لا يخالف الاسلام... ولكنني أحسب أنني جئت بشئ يمكن لم نعتاد أن نراه في مجتمعنا.
ليلـى:       أحسب أنه يتم بشكل أو آخر.  ولكن حفاظاً على كرامة المرأة لا يباح نشره وتعريفه بين للناس. الكرامة كما تعرفه مجتمعاتنا الحديثة.  أما في الاسلام فإن أحاديث كثيرة تشير كيف كانت بعض النساء المسلمات يعرضن أنفسهن للزواج سواء على الرسول صلى الله عليه وسلم أو على الصحابة.
د.سميرة: أنت متفهمة لهذا الأمر ... ووفرت علي الكثير من عناء التفكير. وأنا أشعر بالراحة لحديثك.
ليلى: أنت تستحقين كل خير ... وأتمنى أن يكون أحمد عند حسن ظنك ... وربنا يتمم بخير...
د.سميرة: شكراً يا ليلى ... وعقبالكِ.

المشهد الرابع (نفس المكتب في الجامعة)
د. إبراهيم: صباح الخير يا أبو صالح.
أحمد: صباح الخير د. إبراهيم.
د. إبراهيم: بعد ما تنتهي من العمل الذي لديك ... أريد التحدث معك في أمر هام.
أحمد: خير إن شاء الله.
د. إبراهيم: خير .. خير إن شاء الله.
أحمد: حاضر .
تدخل الدكتورة سميرة، وتجلس إلى مكتبها .
د.سميرة: صباح الخير.
د. إبراهيم وأحمد (معا): صباح الخير.
د.سميرة: (لنفسها) هل تحدث د. إبراهيم إلى أحمد في الموضوع؟   ماذا كان رد أحمد؟  طول عمري أعمل الصواب.  وعقلي يسبق قلبي ... هل ما قمت به الآن هو الصواب؟  أنني في حيرة ... كنت أحسب أن همي سيزول بمجرد أن أحكي ما في نفسي لآخرين ... ولكن عقلي مازال يغلي ... ويغلي ... متى سيزول هذا الهم ... متى استريح ...
(يتحدث د. ابراهيم مع د. سميرة في شؤون العمل)
تخرج د. سميرة لاستكمال أعمال خارج المكتب .
أحمد: أنا جاهز يا دكتور ابراهيم ... انتهت تواً من العمل الذي كان بين يدي.
د.ابراهيم: جميل ... تعال واجلس بجانبي ... ثواني انتهي من ما في يدي...
د. ابراهيم: (بعد قليل) أحمد ...
أحمد : نعم
د. ابراهيم: أنت رجل طيب ... وأعرفك منذ سنوات غير قليلة ... وتحمل صفات كثيرة جميلة ... تجعلك محبوباً.
أحمد: شكراً ... هذا من لطفك ...
د. ابراهيم: وأحسب أن فراقك عن أسرتك سوف يطول ...
أحمد: آه ... هذا أمر الله ... العين بصيرة واليد قصيرة...
د. ابراهيم: بصراحة ... هل تحب زوجتك وأولادك..
أحمد: طبعاً ... وهل أعمل إلا من أجلهم ...
د. ابراهيم: إلا تعمل شئ بسيط لنفسك ...
أحمد: ماذا أفعل؟  أبذل كل جهدي ... وأنت تعرف الباقي... كل الأسعار أصبحت مولعة نار ... السكن ... المواد الغذائية ... المواد الأساسية ... والزواج الجديد يحتاج إلى مصاريف كثيرة تفوق امكانياتي...
د. ابراهيم: ولو كانت هناك زوجة تقبلك بظروفك وامكانياتك هذه ...
أحمد : (بذهول) معقول؟
د.ابراهيم: نعم. أنت رجل يستحق كل خير... وهي تستحق كل خير.
أحمد: من هي؟
د. ابراهيم: من تتوقع؟
أحمد: (بعد صمت وبصوت خافت) د.سميرة؟
د. ابراهيم: كيف عرفت؟
أحمد:(لا رد)
د. ابراهيم: نعم هي ... د. سميرة.
أحمد: لا أعرف ماذا أقول؟
د. ابراهيم: لا تقل شيئاً.  فقط قم بالتصريح لها بحقيقة مشاعرك ...
أحمد: هل ستوافق.
د.ابراهيم: جرب ...
أحمد: لا تقل لي جرب ... هل ترضي بي زوجاً لها...
د. ابراهيم: هل ستكون سعيدا...
أحمد: أرجوك ... لا تتعبني ... هل ستوافق ...
د. ابراهيم: نعم ... ومبروك...
أحمد: (يقوم ليعانق د. ابراهيم) شكراً ... شكراً...


-      النهاية -

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق