لقد صار معروفاً الآن أن الكرب (الوطأة) Stress يسبب مشكلات في النمو وزيادة في الوزن وتنكساً عصبياً
- التغيرات الفيزيولوجية للشعور بالكرب
إن أغلب الناس لا يشاركون الدجاجة الصغيرة فزعها من وقوع السماء[1]. ولكن مهما يكن الأمر، فالشعور بالكرب (الوطأة) أمر شخصي إلى حد كبير. غير أن هذا لا يمنع من القول إن الكرب يستحث سلسلة من التغيرات الفيزيولوجية الواضحة، فغدة الكظر adrenal gland تفرز الستيرويدات التي تستنفر السكاكر والمدخرات الدهنية. وتقوم هرمونات غيرها بكبح النمو والتوالد ونشاطات أخرى غير أساسية بغية الحفاظ على الطاقة ويزيد الدماغ من إنتاج الإبينفرين لجعل القلب والعضلات الأخرى مستعدة للعمل.
- الكرب المزمن يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والاكتئناب والسكر
وفي حالات الخطر، يساعد رد الفعل القصير الأمد على البُقيا. أما إذا جرى – على نحو نظامي لأسباب خاطئة – ايقاف الاستجابة للكرب واعتراضها، فستنجم عن ذلك تأثيرات عكسية. وفي الواقع، عرف الباحثون منذ زمن بعيد أن الكرب المزمن يغلب أن يؤدي مباشرة إلى حدوث أمراض معينة منها بعض أمراض القلب وفرط (ارتفاع) ضغط الدم والاكتئناب والكبت المناعي والداء السكري. واكتشفوا حديثاً أن الكرب يسبب أيضاً شذوذات وتنكساً عبياً ومن حسن الطالع أن بعض هذه الرؤى الجديدة تقترح أساليب أفضل لمقاومة فرط الكرب.
- حنان الأم للصغار توهن الاستجابة للكرب عند الكبر
يبدو أن قابلية الفرد للكرب المفرط تعكس، إلى حد ما، خبرات حياتية مبكرة. ولقد تفحص ميني وزملاؤه (في مركز أبحاث مستشفى دوكلاس بمونتريال) مستويات الهرمون المطلق للكورتيكوتروبين (الموجهة القشرية) CRH- وهو الهرمون الأساسي الذي يضع خط سير الاستجابة للكرب – لدى صغار الجرذان. فوجدوا أن أمهات الجرذان حينما تُكثر من لعق صغارها يقل إنتاج الهرمون CRH عند الصغار. ويقول ميني:إن مقدار لعق الأم لصغارها – خلال الأيام العشرة الأولى من الحياة – له ارتباط وثيق بإنتاج الهرمون CRH في وطاء hypothalamus دماغ الذرية البالغة. إضافة إلى ذلك، اكتشف ميني - مقارنة بالصغار التي تُركت معزولة – أن الجرذان التي لُعقت، انتجت كمية أكبر من المستقبلات القشرية السكرية glucocorticoid في الحُصين[2] hippocampus وحينما تنشط هذه المستقبلات، فإنها تثبط إنتاج الهرمون CRH في الحُصين، وبذا توهن الاستجابة للكرب. كما أن الجرذان التي لُعقت انتجت قدراً أكبر من مستقبلات الناقل العصبي GABA (أي :حمض الكاما امينو بوتيريك) المثبط للهرمون crh في كل من اللوزة amygalda والموضع الأزرق Iocus ceruleus، وهما منطقتان في الدماغ مرتبطتان بالخوف. ويلخص ميني آراءه بالقول: حينما تُنشأ الجرذان في بيئات هادئة تتعزز مناطق الدماغ التي تثبط الهرمون CRH. أما البيئات السيئة فتعزز الباحات (المناطق) التي تنشط إنتاج الهرمون CRH. وهكذا فعلى المدى الطويل تنحو هذه المنظومات إلى أن تنتج تقريباً المقادير القاعدية base amounts من الهرمون CRH . وفي الحقيقة أن الخبرات المبكرة هي التي تحدد الاستجابة للكرب لدى الفرد.
اليتيم
ولا تقتصر الجرذان التي اصابها اليتم على توليد مقدار أقل من القشرانيات السكرية GCs[3] ومن مستقبلات الناقل العصبي GABA، بل إن لها في الواقع عصبونات أقل في بعض مناطق الدماغ أيضاً. وقد قام سميث (من مختبرات بحثو دبونت ميرك) وباحثون آخرون (من المعهد القومي للصحة العقلية) بدراسة أنماط من الموت الخلوي المبرمج (الاستموات PROGRAMMED CELL DEATH) الذي هو سيرورة تشذيبية طبيعية تحصل أثناء النمو. وقد تبين لهم أن نسبة موت الخلايا بين الحيوانات الصغيرة اليتيمة بلغت ضعف ما يحدث لدى غيرها في العديد من باحات الدماغ، ولا سيما في الحُصين الذي يعد بنية أساسية في التعلم والذاكرة. ويرى سميث أن نقص التنبيه اللمسي قد يؤدي إلى هذا الموت الخلوي الذي يشبه إلى حد كبير ما يحدث في حال نقص التنبيه البصري الذي يسبب شذوذاً في نظام القشرة الإبصارية لدى الصغار.
نقص اللمس والتخلف العقلي والجمسي
ولاحظت كارلسون (من مدرسة طب هارفارد) ظهور مشكلات سلوكية بين قرود الشمبانزي المعزولة اجتماعياً، وتراءى لها أن ما بدا عند هذه القرود من أعراض شبيهة بأعراض الذاتوية (التوحد AUTISM)، نجمت عن نقص التنبيه اللمسي. ولذا فقد اختارت وزملاؤها دراسة ستيرويد الكرب الكظري، وهو مادة قشرانية سكرية تُدعى الكورتيزول Cortisol لدى أطفال أيتام من رومانيا يظهرون غالباً سلوكيات متشابهة. وقد سبق لنصف عدد الأطفال الذين شملتهم دراسة كارلسون أن شاركوا في برنامج اجتماعي تربوي تعويضي للأطفال المحرومين ثقافياً، في حين لم يسبق للنصف الآخر أن شاركوا في ذلك البرنامج. ولدى مقارنة هؤلاء الأطفال بآخرين ترعرعوا ضمن أسرة، تبين أنهم جميعاً يظهرون نمواً عقلياً وجسمياً متخلفاً. غير أن مستويات الكورتيزول كانت عادية أكثر خلال النهار وأثناء الوقوع تحت وطأة الكرب عند الأطفال الذين شاركوا في ذلك البرنامج، مما هي بين غالبية الأطفال المحرومين. إن أولئك الصغار الذين كانت تقلبات الكورتيزول عندهم اقل انتظاماً، هم الذين عانوا أشد المشكلات السلوكية والتعلمية. ومع الوقت تسبب المستويات المرتفعة من القشرانيات السكرية اضطرابات خطيرة أخرى.
وتشير الدراسات التي أجرتها دولمان (من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو) إلى أن المستويات الدائمة الارتفاع من القشرانيات السكرية تتأثر مع الأنسولين مؤدية إلى زيادة المدخول من الطعام وإعادة توزيع مخزونات الطاقة في الجسم. وتقول دولمان: قد تكون النتائج على علاقة قوية بالنواحي السريرية، لأن الاستجابات المعززة في برنامج الكرب حيال المنبهات الجديدة قد تكون سبباً جذرياً في حوادث قلبية وعائية شاذة لدى الأفراد المفرطي التأثر بالكرب. علاوة على ذلك إن إعادة توزيع مخزون الطاقة من عضلية إلى شحمية، وبخاصة شحمية بطنية، قد تؤدي دوراً في ظهور السمنة البطيئة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة حدوث الداء السكري الكهلي وأمراض الشرايين الإكليلية (التاجية) والسكتة الدماغية stroke.
وقد وجد سابولسكي (من جامعة ستانفورد) أن التعرض الكلي أثناء الحياة للقشرانيات السكرية هو أفضل ما يحدد معدل فقدان العصبونات[4] في الحُصين ومقدار الضعف المعرفي cognitive في الشيخوخة. ويرى سابولسكي أن المستويات العالية على نحو مزمن من القشرانيات السكرية لا تكتفي بالقضاء على عصبونات الحُصين، بل تترك الكثير غيرها عرضة للأذيات الناجمة عن الصرع ونقص سكر الدم وتوقف القلب والبروتينات المتهمة بإحداث داء الزايمر والخرف المرتبط بالإيدرز. ويشرح سابولسكي موضحاً : يمكن القول مجازياً أن القشرانيات السكرية تجعل العصبون طائشاً بعض الشئ، فإذا تصادف وتوافق هذا الطيش مع أسوأ يوم في حياة ذلك العصبون، ازدادت أرجحية استسلام الخلية للسكتة أو للنوبة Seizure. إن سابولسكي والعاملين معه هم الآن بصدد تطوير معالجات جينية غايتها حماية العصبونات التي ينهكها الكرب. غير أن حلاً ابسط قد يرد من الابحاث خارج المختبر. فعلى مدى 18 عاماً، درس سابولسكي مجموعة من قرود الرباح البرية في منتنزه سيرنكيتي[5]، ولاحظ أنه في تسلسل السلطة الهرمي المستقر عند تلك القرود، يكون لدى الحيوانات التي هي جونها رتبة مستويات أعلى من القشرانيات السكرية ومستويات أخفض من الكولسترول "الجيد"، وأجهزة مناعية وتوالدية أقل قوة. وتظهر أدنى مستويات القشرانيات السكرية عند الذكور التي تحظى بأقوى الشبكات الاجتماعية. ويضيف سابولسكي: يبدو أن أنماط الشخصية هذه التي تتميز بكون أصحابها أكثر دراية من الناحية الاجتماعية أو اقوى انتماءً لمجتمعهم، تؤهل هؤلاء لحياة أطول وتنبيئ بنجاح أكبر طوال حياتهم في المراتب التي سيحتلونها. وأن اسوأ شئ بالنسبة إلى الحيوان هو بقاؤه منعزلاً.
(عن مقالة: لا تستسلم للكرب، العلوم، العدد 2/3 (1999)، ص 97 – 98)
[1] في إشارة إلى إحدى قصص الأطفال التي ظنت فيها الدجاجة الصغيرة التي سقطت ريشة على رأسها، أن السماء قد سقطت، فتملكها الفزع والهلع.
[2] بنية أساسية في التعلم والذاكرة.
[3] اختصار لـ Glucocorticoid
[4] الجهاز العصبي في الإنسان يتكون من نوعين أساسيين من الخلايا , هما الخلايا الدبقية Glial Cells و العصبونات Neurons.
[5] محمية حيوانية في تنزانيا، مساحتها نحو 14763 كم2. وتعد أكبر ملاذ للحيوانات البرية في العالم حتى الآن، وتبذل حكومة تنزانيا جهوداً كبيرة للحفاظ عليها.
- التغيرات الفيزيولوجية للشعور بالكرب
إن أغلب الناس لا يشاركون الدجاجة الصغيرة فزعها من وقوع السماء[1]. ولكن مهما يكن الأمر، فالشعور بالكرب (الوطأة) أمر شخصي إلى حد كبير. غير أن هذا لا يمنع من القول إن الكرب يستحث سلسلة من التغيرات الفيزيولوجية الواضحة، فغدة الكظر adrenal gland تفرز الستيرويدات التي تستنفر السكاكر والمدخرات الدهنية. وتقوم هرمونات غيرها بكبح النمو والتوالد ونشاطات أخرى غير أساسية بغية الحفاظ على الطاقة ويزيد الدماغ من إنتاج الإبينفرين لجعل القلب والعضلات الأخرى مستعدة للعمل.
- الكرب المزمن يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والاكتئناب والسكر
وفي حالات الخطر، يساعد رد الفعل القصير الأمد على البُقيا. أما إذا جرى – على نحو نظامي لأسباب خاطئة – ايقاف الاستجابة للكرب واعتراضها، فستنجم عن ذلك تأثيرات عكسية. وفي الواقع، عرف الباحثون منذ زمن بعيد أن الكرب المزمن يغلب أن يؤدي مباشرة إلى حدوث أمراض معينة منها بعض أمراض القلب وفرط (ارتفاع) ضغط الدم والاكتئناب والكبت المناعي والداء السكري. واكتشفوا حديثاً أن الكرب يسبب أيضاً شذوذات وتنكساً عبياً ومن حسن الطالع أن بعض هذه الرؤى الجديدة تقترح أساليب أفضل لمقاومة فرط الكرب.
- حنان الأم للصغار توهن الاستجابة للكرب عند الكبر
يبدو أن قابلية الفرد للكرب المفرط تعكس، إلى حد ما، خبرات حياتية مبكرة. ولقد تفحص ميني وزملاؤه (في مركز أبحاث مستشفى دوكلاس بمونتريال) مستويات الهرمون المطلق للكورتيكوتروبين (الموجهة القشرية) CRH- وهو الهرمون الأساسي الذي يضع خط سير الاستجابة للكرب – لدى صغار الجرذان. فوجدوا أن أمهات الجرذان حينما تُكثر من لعق صغارها يقل إنتاج الهرمون CRH عند الصغار. ويقول ميني:إن مقدار لعق الأم لصغارها – خلال الأيام العشرة الأولى من الحياة – له ارتباط وثيق بإنتاج الهرمون CRH في وطاء hypothalamus دماغ الذرية البالغة. إضافة إلى ذلك، اكتشف ميني - مقارنة بالصغار التي تُركت معزولة – أن الجرذان التي لُعقت، انتجت كمية أكبر من المستقبلات القشرية السكرية glucocorticoid في الحُصين[2] hippocampus وحينما تنشط هذه المستقبلات، فإنها تثبط إنتاج الهرمون CRH في الحُصين، وبذا توهن الاستجابة للكرب. كما أن الجرذان التي لُعقت انتجت قدراً أكبر من مستقبلات الناقل العصبي GABA (أي :حمض الكاما امينو بوتيريك) المثبط للهرمون crh في كل من اللوزة amygalda والموضع الأزرق Iocus ceruleus، وهما منطقتان في الدماغ مرتبطتان بالخوف. ويلخص ميني آراءه بالقول: حينما تُنشأ الجرذان في بيئات هادئة تتعزز مناطق الدماغ التي تثبط الهرمون CRH. أما البيئات السيئة فتعزز الباحات (المناطق) التي تنشط إنتاج الهرمون CRH. وهكذا فعلى المدى الطويل تنحو هذه المنظومات إلى أن تنتج تقريباً المقادير القاعدية base amounts من الهرمون CRH . وفي الحقيقة أن الخبرات المبكرة هي التي تحدد الاستجابة للكرب لدى الفرد.
اليتيم
ولا تقتصر الجرذان التي اصابها اليتم على توليد مقدار أقل من القشرانيات السكرية GCs[3] ومن مستقبلات الناقل العصبي GABA، بل إن لها في الواقع عصبونات أقل في بعض مناطق الدماغ أيضاً. وقد قام سميث (من مختبرات بحثو دبونت ميرك) وباحثون آخرون (من المعهد القومي للصحة العقلية) بدراسة أنماط من الموت الخلوي المبرمج (الاستموات PROGRAMMED CELL DEATH) الذي هو سيرورة تشذيبية طبيعية تحصل أثناء النمو. وقد تبين لهم أن نسبة موت الخلايا بين الحيوانات الصغيرة اليتيمة بلغت ضعف ما يحدث لدى غيرها في العديد من باحات الدماغ، ولا سيما في الحُصين الذي يعد بنية أساسية في التعلم والذاكرة. ويرى سميث أن نقص التنبيه اللمسي قد يؤدي إلى هذا الموت الخلوي الذي يشبه إلى حد كبير ما يحدث في حال نقص التنبيه البصري الذي يسبب شذوذاً في نظام القشرة الإبصارية لدى الصغار.
نقص اللمس والتخلف العقلي والجمسي
ولاحظت كارلسون (من مدرسة طب هارفارد) ظهور مشكلات سلوكية بين قرود الشمبانزي المعزولة اجتماعياً، وتراءى لها أن ما بدا عند هذه القرود من أعراض شبيهة بأعراض الذاتوية (التوحد AUTISM)، نجمت عن نقص التنبيه اللمسي. ولذا فقد اختارت وزملاؤها دراسة ستيرويد الكرب الكظري، وهو مادة قشرانية سكرية تُدعى الكورتيزول Cortisol لدى أطفال أيتام من رومانيا يظهرون غالباً سلوكيات متشابهة. وقد سبق لنصف عدد الأطفال الذين شملتهم دراسة كارلسون أن شاركوا في برنامج اجتماعي تربوي تعويضي للأطفال المحرومين ثقافياً، في حين لم يسبق للنصف الآخر أن شاركوا في ذلك البرنامج. ولدى مقارنة هؤلاء الأطفال بآخرين ترعرعوا ضمن أسرة، تبين أنهم جميعاً يظهرون نمواً عقلياً وجسمياً متخلفاً. غير أن مستويات الكورتيزول كانت عادية أكثر خلال النهار وأثناء الوقوع تحت وطأة الكرب عند الأطفال الذين شاركوا في ذلك البرنامج، مما هي بين غالبية الأطفال المحرومين. إن أولئك الصغار الذين كانت تقلبات الكورتيزول عندهم اقل انتظاماً، هم الذين عانوا أشد المشكلات السلوكية والتعلمية. ومع الوقت تسبب المستويات المرتفعة من القشرانيات السكرية اضطرابات خطيرة أخرى.
وتشير الدراسات التي أجرتها دولمان (من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو) إلى أن المستويات الدائمة الارتفاع من القشرانيات السكرية تتأثر مع الأنسولين مؤدية إلى زيادة المدخول من الطعام وإعادة توزيع مخزونات الطاقة في الجسم. وتقول دولمان: قد تكون النتائج على علاقة قوية بالنواحي السريرية، لأن الاستجابات المعززة في برنامج الكرب حيال المنبهات الجديدة قد تكون سبباً جذرياً في حوادث قلبية وعائية شاذة لدى الأفراد المفرطي التأثر بالكرب. علاوة على ذلك إن إعادة توزيع مخزون الطاقة من عضلية إلى شحمية، وبخاصة شحمية بطنية، قد تؤدي دوراً في ظهور السمنة البطيئة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة حدوث الداء السكري الكهلي وأمراض الشرايين الإكليلية (التاجية) والسكتة الدماغية stroke.
وقد وجد سابولسكي (من جامعة ستانفورد) أن التعرض الكلي أثناء الحياة للقشرانيات السكرية هو أفضل ما يحدد معدل فقدان العصبونات[4] في الحُصين ومقدار الضعف المعرفي cognitive في الشيخوخة. ويرى سابولسكي أن المستويات العالية على نحو مزمن من القشرانيات السكرية لا تكتفي بالقضاء على عصبونات الحُصين، بل تترك الكثير غيرها عرضة للأذيات الناجمة عن الصرع ونقص سكر الدم وتوقف القلب والبروتينات المتهمة بإحداث داء الزايمر والخرف المرتبط بالإيدرز. ويشرح سابولسكي موضحاً : يمكن القول مجازياً أن القشرانيات السكرية تجعل العصبون طائشاً بعض الشئ، فإذا تصادف وتوافق هذا الطيش مع أسوأ يوم في حياة ذلك العصبون، ازدادت أرجحية استسلام الخلية للسكتة أو للنوبة Seizure. إن سابولسكي والعاملين معه هم الآن بصدد تطوير معالجات جينية غايتها حماية العصبونات التي ينهكها الكرب. غير أن حلاً ابسط قد يرد من الابحاث خارج المختبر. فعلى مدى 18 عاماً، درس سابولسكي مجموعة من قرود الرباح البرية في منتنزه سيرنكيتي[5]، ولاحظ أنه في تسلسل السلطة الهرمي المستقر عند تلك القرود، يكون لدى الحيوانات التي هي جونها رتبة مستويات أعلى من القشرانيات السكرية ومستويات أخفض من الكولسترول "الجيد"، وأجهزة مناعية وتوالدية أقل قوة. وتظهر أدنى مستويات القشرانيات السكرية عند الذكور التي تحظى بأقوى الشبكات الاجتماعية. ويضيف سابولسكي: يبدو أن أنماط الشخصية هذه التي تتميز بكون أصحابها أكثر دراية من الناحية الاجتماعية أو اقوى انتماءً لمجتمعهم، تؤهل هؤلاء لحياة أطول وتنبيئ بنجاح أكبر طوال حياتهم في المراتب التي سيحتلونها. وأن اسوأ شئ بالنسبة إلى الحيوان هو بقاؤه منعزلاً.
(عن مقالة: لا تستسلم للكرب، العلوم، العدد 2/3 (1999)، ص 97 – 98)
[1] في إشارة إلى إحدى قصص الأطفال التي ظنت فيها الدجاجة الصغيرة التي سقطت ريشة على رأسها، أن السماء قد سقطت، فتملكها الفزع والهلع.
[2] بنية أساسية في التعلم والذاكرة.
[3] اختصار لـ Glucocorticoid
[4] الجهاز العصبي في الإنسان يتكون من نوعين أساسيين من الخلايا , هما الخلايا الدبقية Glial Cells و العصبونات Neurons.
[5] محمية حيوانية في تنزانيا، مساحتها نحو 14763 كم2. وتعد أكبر ملاذ للحيوانات البرية في العالم حتى الآن، وتبذل حكومة تنزانيا جهوداً كبيرة للحفاظ عليها.
(الصورة: الأم المثالية 2009 نعيمة عبدون كتة من أهالي قورتة، في احتفال السفارة المصرية بالكويت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق